20‏/8‏/2015

ماري وفصولها الأربعة


يستحق المصور السينمائي المخضرم ديك بوب Dick Pope /إشادة خاصة وسط كل المديح المنهال على فيلم مايك لي الأخير " Mr. Turnerوقد نال بعض ما يستحقه بحصوله على جائزة أفضل تصوير في دورة كان قبل الأخيرة عن الفيلم، ولكن عودة سريعة إلى الفيلم السابق للثنائي ستكون مفيدة "Another Year" : الألوان المختارة للتعبير عن مرور الأيام وتبدّل الفصول وإنكماش حظوظ ماري (Lesley Manville)، مثال مناسب على الإختيارات المدروسة بعناية.
شخصية "ماري" هي محور قصة الفيلم التي يختار لها المخرج عدداً من أفراد الطبقة الوسطى الإنجليزية لتجسيد دراما وكوميديا عائلية عن العلاقات والفشل وتواصل الأجيال. هناك الزوجين توم (Jim Broadbent) وجيري (Ruth Sheen) (مهندس وطبيبة نفسية) يعيشان في منزلهما الهاديء لرعاية حديقته وطهي الطعام الشهي، وهما يمثلان بشكل ما قلب الفيلم الكبير والعطوف. وهناك إبنهما "جو" (Oliver Maltman) الشاب الناجح في عمله مثل والديه والذي يرغب في الارتباط بـ "كاتي" أخصائية التأهيل الصحي.  هناك أيضاً "كين" (Peter Wight) صديق توم: في ستينياته تقريباً، بائس ووحيد، مدمن على الشراب بحثاً عن العزاء، وهو في ذلك مثله كمثل "ماري".
"ماري" صديقة "جيري" التي تعمل معها، وهي الشخصية الأكثر تعقيداً وتشابكاً: وحيدة وصاخبة، كحولية وخرقاء أحياناً، ترتّق تاريخها الشخصي بالأكاذيب الصغيرة، تغبط من حولها دون أن يكرهها المشاهد، مشروع بائسة لا تستقرّ حياتها على شيء، تتأرجح بين المسرّات والخيبات، البحث عن الحب والأماكن الخاطئة للحصول عليه. المهم أنها يصل بها الأمر للتفكير في إتخاذ "جو" كعشيق في مقابل التنفيض لمحاولات "كين" للتقرّب منها وهو ما سينتهي بها إلى الإحباط ويحوّل صخبها المعتاد إلى هدوء حَذِر لنجدها تحاول التودّد إلى شقيق توم (David Bradley) الأرمل العجوز الذي فقد زوجته حديثاً.

يختار مايك لي لفيلمه تقسيماً درامياً يتكئ على الفصول، التي سرعان ما تمسي فصول الفيلم والسنة أيضاً، وليقدم لنا في النهاية عاماً كاملاً:

في الربيع نرى "ماري" في حالة من المرح البهيج،  تفتح نقاشاً مع جيري (روث شين) حول النرجس البرّي في الحانة، ونرى الأصفر الطازج تتدرّج ألوانه  في الضوء الذهبيي  وزجاج نوافذ الحانة والشموع على الطاولة.



 في صيف ماري، نرى الوردي الذابل والأرجواني من بين أوراق شجر الحديقة الخلفية لمنزل توم وجيري ولكن  إزهارها المتأخر لا يدوم طويلاً.


في الخريف تنكمش على نفسها وتلتفّ بسترة صوفية بُنّية اللون في مطبح توم وجيري، ملاحِظةً تضاؤل آمالها في اقامة علاقة مع "جو" ومفكّرة في الفرص الضائعة. كل ذلك يذهب إلى غير رجعة.


 وسط المشاهد الشاحبة لشتائها، نراها مستلقية على أريكة توم وجيري، مهزومة، أحمر الوسادة التي تسند رأسها عليها، نابض مثل جرح قديم مفتوح.


تذهب الفصول بعيداً، وتظلم الصورة، سنة أخرى إنتهت. إنها دورة روميرية (من إريك رومير) مُقطّرة ومُعبّأة في رشفة واحدة من كأس "لي" المعتّقة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق