9‏/10‏/2014

Our Sunhi (2013, Hong Sang-soo)

            



Mumblecore

لا أحد يفعل ذلك أفضل من هونج سانج سو: خذ فضاء محدداً ومملاً: مصيف، ساحة جامعية، حي في مدينة كبيرة. انثر بعض الأماكن التي تحتوي على سرير (فندق، نزل طلبة) وعدداً من المطاعم والمشارب التي تقدم دجاجا مقرمشا، كابتشينو، بيرة، سوجو. شوارع ضيقة للتمشية حيث يستطيع المترجلون الوحيدون سماع صوت خطواتهم في مصاحبة توتر قلوبهم. حديقة عامة هنا، شاطيء هناك. اطلق حفنة صغيرة من الشخصيات، رجل وامرأة، واتركهما يتفاعلان من خلال سلسلة أحداث مكررة، توليفات شبه موسيقية لانجذاب جنسي خجول في التعبير عن نفسه، رفض أُسيء تعريفه، حالة عدم ثقة وأمان، غيرة مستترة. مشاهد طويلة تجعل سؤال التمثيل غائباً. يقلّب جيدا ويقدم باردا

 لن تفكر أبدا أن ذلك يمكن أن يكون مضحكا ولا يزال أيضا محزنا. بروعته وتأنقه واقتصاده وصرامته الهازلة يصبح الفيلم على قمة  الجينير "الأخرق" الذي ابتدعه هونج في سينماه في السنوات الاخيرة ولا مجال هنا للمحاولات المبائسة لمقارنة هونج بوودي آلن او إلباسه عباءة الرجل العجوز الذي أصبح يصنع أفلاما ثرثارة وفارغة من المتعة والفلسفة التي يحاول معجبوه الحاقها بها


فيلمنا يتابع المسارالرائق الذي اتخذه هونج لعمله السينمائي مؤخراً. يحكي من منظور بطلته (التي أعطت الفيلم عنوانه) مراوحتها الاختيار بين ثلاثة من محبيها الممكنين وكما في كل أفلام هونج تقريباً حيث واحد على الأقل من شخصيات الفيلم الرئيسية له علاقة بالسينما، نجد في فيلمنا هذا أن الشخصيات الاربع الرئيسية كلّها على علاقة بالسينما بشكل ما. يبني هونج فيلمه حول ثنائيات مختلفة وجلسات شرب كل منها وبطريقته الخاصة يبيّن تذبذب الدوافع والرغبات في العلاقات البشرية. الاكثر من ذلك أن ما يُقال ليس ما يُشعر به في أغلب الأحيان وهذا ما يجعل الشخصيات في  حيرة ملائمة تماماً لأجواء هونج التي عوّدنا عليها. مستحضراً روح جاك تاتي وإريك روميه؛ بمعالجة ثرثارة  لكيف تتعامل طالبة السينما حديثة التخرج مع التصوّرات الرومانسية لثلاثة رجال (تعساء بشكل أو بآخر) تجاهها، وتمازجات معقدة بشكل خادع ومرح غير متوقع يتراكم في حكاية ملونة ومسلية عن الحب والسينما حيث عالم الانسان ينشط بأشياء الرغبة الغامضة


يأتي الفيلم مضحكاً وساحراً نتيجة لكوميديا الأساليب تلك: طالبة السينما "سوني" (تقوم بدورها يونج يومي في مشاركتها السادسة مع المخرج) تطلب من استاذها الجامعي السابق (شوي) خطاب ترشيح لدراسة السينما في أمريكا. يفعل الرجل ولكنها لا ترضي عما كتبه فتطلب منه إعادة كتابته لتأتي الفرصة للبروفيسور للافصاح عن نواياه تجاه سوني في خطاب فيّاض زوّد الفيلم باحدى اجمل لحظاته الكوميدية، في الوقت الذي تقابل  فيه صديقها السابق "مانسو" الذي يلمّح لاستعادة ما كان بينهما، وزميل دراسة أكبر منها "يايهيك" سيبدأ في الوقوع في حبّها هو الآخر. النصيحة مشتركة ومتشابهة؛ في لقطات طويلة نرى طالبي وصل سوني يتعثرون في مواقف محرجة بفعل الشرب. تلميحات رومانسية مشوّشة وذهابات وايابات هزلية تلخّص لعبة البينج بونج التي يراوح الفيلم بين جانبيها بحسّ خفيف في المسافة   بين "كيف نرى أنفسنا؟" و"كيف يرانا الآخرون؟". وبخلق هونج لذلك المثلث الذكوري الراغب في سوني لديه الكثير من اللعب لكسر قداسته واعادة تشكيله. اللعب موجود بداية من التيترات باللون الأخضر على خلفية صفراء كشمس يوم متوهج واللفتة التهكمية التي تمنحها الممثلة المألوفة لهونج (يونج يونجين) في دور أشبه بمُرقِّمة لأحداث الفيلم، وهناك تلك الاغنية السنتمنتالية التي تعيد التأكيد بأداء ميلانكولي على براءة الحب في مدينة ما لم تعد موجودة. نسمع الاغنية ثلاث مرات: مرة في مطعم الدجاج، ومرتين في مقهى أريرانج حيث يتقابل مانسو (صديق سوني السابق) ويايهيك (الصديق المشترك)، ولاحقا تشرب سوني مع يايهيك ، وحيث تلك المضيفة الشابة التي تبدو على معرفة جيدة بهم مقدمة لهم الدجاج المقلي كمَزّة لتخفيف حدة الكحول. مرتين يُنادي على يايهيك من نافذة شقته في الدور الثاني: أولاً مانسو وتالياً شوي. مرتين بعد شرب الكثير من الكحول مع رجلين (شوي ثم بعد ذلك يايهيك) ترمي سوني (السكرانة) بنفسها على يايهيك ولكنه -شاعرا بعدم الراحة لحالتها- يعتذر عن مجاراتها في ما تريده. وهنا يجب التذكير باستثنائية الفيلم ضمن أعمال هونج  حيث لم يذهب فيه أي أحد مع أي أحد إلى السرير


********

الاحساس بالمكان من خلال إضاءة دقيقة ليس مشكلة كبيرة للمخرج الكوري غزير الانتاج ولا مدير تصويره بارك هونج يول. في احد المشاهد الاولى نرى سوني جالسة في مطعم فراخ وتشرب بيرة مع صديق مقرب: الإضاءة رائعة، مؤطرة في بروفيل أقرب لصورة ظلّية (سيلويت) مقابل للنافذة الكبيرة المطلة على الشارع والذي يبدو للمرة الأولى مضاء بشكل غريب وممتع. عزلة سوني في ذلك المطعم الذي دخلته لتشرب البيرة فتفاجأت بضرورة طلب الفراخ المقرمشة كي تُقدَّم البيرة معها، عزلتها في ذلك المكان المظلم زادت بشكل ما من احساسي كما لو أن شمساً خريفية ستخرج من الشاشة وتشرق على غرفتي


  في مشهد ذكي وماكر في منتصف الفيلم تقريبا حين يتقابل شوي ويايهيك في شقة الأخير ويدردشان حول اهتمام شوي بسوني (الغير معلوم ليايهيك) ثمة نافذة خلفهم يمكن من خلالها متابعة امرأتين مختلفتين عنهم ومن خلال حاجز يقسّم النافذة بين الصديقين؛ كل من المرأتين تتصرّف تماما كالشريكة المثالية المتخيلة  للرجلين: يايهيك يري امرأة نشيطة تعدّ الغداء لرجل (ربما زوجها)، بينما يرى شوي امراة هادئة  وقارئة منطوية على نفسها. سينما هونج عادة تعمل في فضاء سطحي بدون تأويلات أو إحالات فلسفية، لذا رؤية هذا النوع من اللايرينج يمنح المشاهد المخلص لعمل هونج نشوة مفاجئة ونادرة
                   
  *******

يرتّب هونج الأمور حتى نصل إلى سوني وعشاقها الثلاثة التعساء (دون أن يلتقي جميعهم) يعبرون الطرقات الوادعة في حديقة مزيّنة بخضرة خريفية في خاتمة تصلح لفيلم ثلاثيني من إخراج لوبيتش






27‏/9‏/2014

تاني تاني تاني

أربع سنين مرّت على فورة الحماس الاولى التي شهدت ميلاد فكرة تلك المساحة المكرسة لانطباعات شخصية عن الصورة في تجلياتها المختلفة وبالتحديد الصورة السينمائية. جرت مياة كثيرة تحت الجسر منذ تلك اللحظة التي أراها الآن باهتة وأبعد من استدعاء سياقها. تغيّرت النفوس والأذواق ولكن ظلّ ذلك الكسل العظيم ملازماً لي، حائلاً بيني وبين البدء في الكتابة والذهاب بعيداً في مشروع .أشبه بتوثيق مشاهدات لا تهم في الأساس سوى صاحبها


مرة أخرى أحاول مراودة نفسي واقناعها بالكتابة لدرء الضجر ومحاولة البحث عن مدار جديد يحمل بعض الهواء المنعش



                      Un amour de jeunesse (2011)