11‏/12‏/2015

مشاهدات سيئة في 2015

Very bad bad films: 


 Lost River (Dir: Ryan Gosling)


Youth (Dir: Paolo Sorrentino)


Mortdecai (Dir: David Koepp)


No Escape (Dir: John Erick Dowdle)


Pan (Dir: Joe Wright)


The Gallows (Dir: Travis Cluff and Chris Lofing)


Stonewall (Dir: Roland Emmerich)


Pixels (Dir: Chris Columbus)


Heist (Bus 657) (Dir: Scott Mann)


Aloha (Dir: Cameron Crowe)


Hot Pursuit (Dir: Anne Fletcher)


Serena (Dir: Susanne Bier)


Hotel Transylvania 2 (Dir: Genndy Tartakovsky)


Krampus (Dir: Michael Dougherty)


عيال حرّيفة (إخراج: سيد السبكي)


الجيل الرابع (إخراج: أحمد نادر جلال)


Jupiter Ascending (Dir: Andy Wachowski and Lana Wachowski)


We Are Your Friends (Dir: Max Joseph)


Minions (Dir: Pierre Coffin and Kyle Balda)


True Story (Dir: Rupert Goold)


Child 44 (Dir: Daniel Espinosa)


Bravetown (Dir: Daniel Duran)


The Face of an Angel (Dir: Michael Winterbottom)


Chappie (Dir: Neill Blomkamp)


The Cobbler (Dir: Thomas McCarthy)



The Longest Ride (Dir: George Tillman Jr.)


Unfinished Business (Dir: Ken Scott)

8‏/12‏/2015

"الرئيس" لمحسن مخلمباف.. الثورة بعيون الديكتاتور وحفيده


في وقت مبكر من فيلم "الرئيس" للمخرج الإيراني محسن مخلمباف، نبدأ في إستدعاء مرجعيات وإحالات محددة إلى "بلد غير مُسمّى" ينتهي به الأمر إلى إنقلاب على الحاكم، ويظهر تساؤل حول هذا الراوي العليم الذي يتجوّل بنا خلال ساحة المدينة مبهرة الإضاءة. نعرف أن ثمة عقوبة إعدام أخري على وشك التنفيذ في ظل الحكم الطاغي لديكتاتور هذا البلد، وهو رجل تتم الإشارة إليه فقط عن طريق مكانته المُفخّمة. أثناء التوقيع على أحكام الإعدام يقوم الزعيم المبهرَج بلعبة سخيفة مع حفيده الصغير لاظهار سلطته المطلقة من خلال تغيير الأضواء في المدينة بأكملها على نحو متقطع، ثم بعد ذلك تذهب الأضواء عن نظام حكمه حرفيًا. مع تقدّم الفيلم سيدرك المشاهدين عدم أهمية معرفتهم لمكان تلك القصّة، لأن كل ما يشاهدونه رمزي وهذا البلد غير المحدّد يمكن إسقاطه على العديد من الأمثلة. بدلًا من ذلك، تأتي أحكام الإعدام مثل فرصة للخطابة حول التسلّط والمغالطات الفادحة لغريزة الانتقام.
الرئيس (ميشا جومياشفيلي)، أو صاحب الجلالة كما يفضّل أن يناديه الآخرون، يبدو مغيّبًا وأخر من يدرك أن الاضطراب السياسي الحادّ الجاري في بلده على وشك إنهاء حكايته على كرسي السلطة. بعد مقتل زوج إبنته، يُقتاد إلى خارج البلاد زوجته (إيكا كاخياني) وابنتيه المزعجتين (نوكي كوشكلشيفي وإيلين بيزارشفيلي)، بينما  ولكن يرفض حفيده الصغير (داتشي أورفيلاشفيلي) الإبتعاد عنه. بعد مغادرتهما المطار، تُحتجز الليموزين التي تقلّهما من قِبل المتظاهرين اللذين إحتلّوا الشوارع وتبوء بالفشل محاولتهما للعودة إلى القصر. وأخيرًا، بعد  الإطاحة برجال الرئيس، يتوجّب على الديكتاتور الهروب متخفيًا في الطرق الريفية بينما المكافأة المعلنة عن رأسه تتزايد باضطراد.
على غير عادة وأسلوب المخرج في أعماله المميّزة السابقة، يفرط مخلمباف في الإرتكان إلى الهزلية لعرض موضوعه. وربما يتوقّع المتفرّج عرضًا من المخرج للمشاركة في النكتة الدائرة أو إصراره على عدم السماح لأي تعاطف ممكن من الجمهور تجاه الديكتاتور أو نسله، ولكن هذا لا يحدث أبدًا. وبدلًا منه، نقضي حوالي ساعتين في ميادين مكتظة نتابع سعيًا إنسانيًا للبقاء مع الرجل المسئول عن سنّ كلّ تلك الفظائع الوحشية أو على الأقل غضّ الطرف عنها. وفي حين لا يمكن الإدعاء بالقول أن مخلمباف يسعي لتقديم صورة حنونة وتستدرّ العطف، يبقى الفيلم بورتريهًا مؤنسنًا لرجل يُظهر ما تجلبه السلطة والشهرة من رؤية شمولية للحقيقة والواقع معا. في نهاية المطاف هو مجرد رجل، إنسان، ويمكن للمرء في هذا الصدد إستدعاء فرضيات حنّا أرندت حول إيخمان وتفاهة الشرّ.
 فنّيًا، يظل هناك شيئ مفقود أو غير مكتمل في الفيلم وكأن بعضًا من التحجيم والتراجع أصاب مخلمباف وزوجته وشريكته في كتابة السيناريو (مارزية مشكيني). من المؤكد أن مواجهة نهائية ستجري في مكان بعيد، حيث مصير الديكتاتور المخلوع مرهون بأيدي حشد غاضب من جماهير مقهورة. ولكن وجهات النظر المختلفة حول ما يجب فعله معه وما يعنيه تبدو مثالًا واضحًا على ذلك التحجيم الدخيل على النصّ السينمائي وكأنه كتب مرارًا حتى يأتي على تلك الصورة التي يخرج منها المُشاهد بمورال (moral) مريح. كذلك يبدو الإزدهار البصري للفيلم صامتًا لقلّته وتباعده ويظهر في مشاهد نادرة مثل زمرة من رجال العصابات يتحلقون بهدوء حول صبي صغير لينطلقوا به في سيارة ليموزين، أو مشهد الرقص، المشار إليه باستمرار في الفيلم، حيث يندمج الحفيد مع ماريا زميلة المدرسة. لكن ذلك الوعد سريعًا ما يتبدّد ليعمل الفيلم كدراما خطّية (linear) من أجل البقاء، تكشف فيها بيانات الإذاعة حول الرئيس الهارب مدى قرب أعدائه منه بطريقة كارتونية. وما يمكن الخلوص إليه في النهاية إن الفكرة القائلة بأن جذور التغيير الديمقراطي يمكن أن تكون عنيفة وفاسدة مثل الديكتاتورية العسكرية تصادف في طريقها فكرة أخرى ساخرة ومريرة مفادها إن إكتساب الشعوب لحرّيتها وسعادتها محض أسطورة سياسية تُستخدم فقط لقيادة الجماهير نحو أعماق أسفل.
جومشفيلي، في أدائه لشخصية الديكتاتور، يقدّم دورًا سيحجز مكانًا رفيعًا في مسيرته، ولكن داتشي أورفيلاشفيلي بدوره يسرق العرض من الجميع بأداء طفولي مثالي لا يعيبه سوى المبالغة قليلًا في تصوير فقدانه التدريجي لبراءة الطفولة، ولكنه يبقى أبرز ما في هذا الفيلم الذي أتى كهجاء إستعاري هزلي لا يضاهي أفلامًا أجمل قدّمها مخلمباف وهو يعمل داخل إيران قبل أن يغادرها إلى فرنسا في عام 2005 بعد وصول محمود أحمدي نجاد إلى كرسي الرئاسة الإيراني.


5‏/12‏/2015

أوديسا عراقية.. نشيد الشتات الأخير


ليس غريبًا على الإنسان رغبته في معرفة من أين جاء وتحصّله على هذا الشعور كنوع من حتمية فهم مكانه من العالم. يمكن الذهاب بعيدًا بهذه الفكرة إلى حد القول بأنه في حالة تجربة المهاجرين يمكن لتلك الرغبة أن تكون أكثر وضوحًا،حيث تتفرّع من نقطة الأصل والمنشأ تقسيمات كثيرة إلى أن تصير جزيئات متناهية الصغر بمرور الزمن.
أيًا ممن عاشوا تلك التجربة يمكنهم مطالعة تاريخ عوائلهم بنظرة سريعة وإكتشاف شساعة الإنتماء وجغرافيا القرابة ويمكنهم الشروع بعد ذلك في محاولة تشريح وفحص وإعادة بناء ذلك "البازل" العائلي إلى شكل محتمل متماسك. ربما يجد البعض ذهنه يدفعه بالحاح دائم إلى أشكال ممكنة للقيام بذلك، وفكرة فيلم "أوديسا عراقية" للمخرج سمير نقّاس ليست بعيدة عن ذلك. هناك ما يشبه الخبرة الجماعية العالمية فيما يتعلّق بالهجرة ومصائرها خصوصًا بين الأشخاص الذين يمتلكون تاريخًا مشتركًا مع بلد لم تختره عائلته مكانًا للعيش.

"أوديسا عراقية" هو فيلم سمير نقّاش الذي عرض مؤخرًا في مهرجان القاهرة السينمائي (11-20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري( وهو يتابع الطريق التى بدأها المخرج قبل سنوات في فيلمه السابق الجميل "إنسَ بغداد".

 على المستوى الخارجي، "أوديسا عراقية" فيلم عن الشتات العراقي. ولكن من جديد يمكننا التذكير بأن أربعة أو خمسة ملايين عراقي يعيشون خارج بلدهم، فلماذا سمير بالتحديد؟ وهذا سؤال يجمل إجابته بداخله. فيلمه شخصي بشكل صريح ولكن عالمي وجماعي في الوقت ذاته، إنه قطعة فنية متعددة المستويات حيث يمكن لكثير من جوانب التجربة المصوّرة أن تتقاطع مع بشر آخرين في شتات آخر: أين يعيش فرد معين من العائلة؟، ما الذي أتي به أتى إلى هذا المكان؟ والسؤال الأبدي عن مدى إختلاف الحياة إذا لم تحدث الهجرة من الأساس.

 من ناحية أخرى، هناك آخرين أكثر تحديدًا في تجربة الشتات العراقي مثل شخصية صدّام حسين، والعراق في وقتنا الحاضر، وخبرات وتجارب العراقيين بالخارج كما توضحها الشخصيات داخل الفيلم. ثم هناك المستوى الأخير: سمير. وبتوضيح أكثر، فإنه تحت كل مشهد من مشاهد الفيلم الوثائقي يكمن سمير :حكاياته، علاقاته، عائلته، تاريخه، وهو ما يمنح المشاهدين الفرصة لتواصل أكثر حميمية معه. هذا إذن عمل قادر على تقديم حكاية شخصية على خلفية تاريخية وسياسية في أثناء فحصه العلاقة المتأنّية والمعقّدة بين كلا الجانبين.

يخون المخرج السرد الوثائقي في معظم فترات الفيلم في سبيل المحافظة على البساطة باعطائه زمنًا أطول لرواية قصص المهاجرين من عائلته، ولكن الخلفية الشخصية مُهمّة في فهم إتساع وعمق ما يقدّمه سمير. سمير (بغداد 1955) من أب عراقي وأم سويسرية، عاش في سويسرا معظم حياته ولكن بقية عائلته –مثل أغلب العائلات المهاجرة وعبر أجيال في الشتات- تبعثروا في أماكن بعيدة مثل أستراليا ونيوزيلاندا وبريطانيا وأمريكا وروسيا. يكفي القول أن معظم أفراد عائلة سمير لا يعيشون في العراق بعد الآن، ومثله، فحكاياتهم تبدو أقل ارتباطا بالبلد نفسه منها إلى التقاطعات والمشتركات بينه وبين مكان هجرتهم. العراق الذي يتذكره سمير في طفولته لا يمت بصلة إلى العراق اليوم، ومشاهد الموسيقى والرقص والشباب الجامح والمشهد الثقافي المتنوع في بغداد منتصف القرن الماضي تجعلنا نفكّر في مدينة معاصرة يمكن الاحتذاء بها. ولكن ماذا عن اللحظة الراهنة ومصير عائلة سمير، تلك العائلة التي كانت عائلة بغدادية متوسطة فصارت عائلة معولمة يحاول أحد أبنائها لملمة ذكرياتها المبعثرة في أنحاء العالم الأربعة.

في مفتتح الفيلم، يوضّح المخرج من البداية إستحالة تغطيته كل حكاية من حكايات عائلته الكبيرة والمبعثرة. نرى الكاميرا تطالع شجرة عائلة كبيرة الحجم بشكل لافت، وببطء يتمّ تسليط الضوء على عدد قليل من الصور في شجرة العائلة ويصبح واضحًا أن هؤلاء بالتحديد هم محطّ إهتمام ما سيأتي من مشاهد الفيلم الوثائقي. هناك عنصر تراجيدي يؤطّر تاريخ سمير، وهو شيء لا تتشارك فيه جميع تجارب المهاجرين: إنه شخصي إلى حد كبير وبالنظر إلى إشتغاله على مستو وطني فبالتأكيد يحمل قدرًا من المشابهات مع تجارب أخرى. ولكن هذا التاريخ الشخصي يرزح تحت ثقل أليم صارخ وفريد من نوعه ينجح سمير في التعبير عنه في مسافة تتراوح بين الإخلاص الكامل والعاطفية المحضة.

وثائقي سمير شخصي وتاريخي في آن واحد، ويتم الاشتغال على ذلك خلال الأجزاء الثلاثة التي تتألّف منها "الأوديسا". أولًا سمير ينظر إلى جدّه، الرجل الذي قاتل البريطانيين وظلّ واحدًا من أبطال المخرج. بعد ذلك يصبح الفيلم أكثر شخصية مع دراسة المخرج لموجات الهجرة العراقية التي تصادف وجوده بداخلها في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. هناك جانب سياسي لذلك كلّه يؤطّر النصف الأخير من الفيلم، فهجرة سمير (القسم الثاني) تبدأ من وقت أتى صدّام حسين إلى الحكم بانقلاب عسكري واستمراره على كرسي السلطة طيلة ثلاث عقود، بينما القسم الثالث والأخير يبدأ من لحظة سقوط صدّام حسين.
 في تلك الفترة الممتدة لحوالي نصف قرن، يُظهر سمير تاريخًا كاملًا من النزوح والدمار بطرق -من دون وجود مثل هذا الفيلم- لا يمكن تصوّرها تقريبًا بالنسبة لمن هم خارج بلادنا العربية المنكوبة بحكّامها. من الصعب وصف ذلك ولكن "أوديسا عراقية" يقوم بعمل مذهل في هذا الصدد.


4‏/12‏/2015

One Shot: Queen of Earth (2015)


Director of Photography: Sean Price Williams

"عيون الحرامية".. استعادة الانتفاضة الثانية


في فيلمها الروائي الثاني "عيون الحرامية"، تعود المخرجة الفسطينية نجوى نجّار إلى الانتفاضة الثانية، وبالتحديد سنة 2002 لتختار بطل حكايتها. "عيون الحرامية" اسم واد شهير بين رام الله ونابلس أقام فيه الاحتلال الإسرائيلي نقطة للجيش وحاجزًا عسكريًّا، قام قنّاص فلسطيني بإطلاق الرصاص على عناصره باستخدام بندقية أمريكية الصنع، وهو التفصيل الذي اعتمد عليه الأمن الإسرائيلي -في حينه- لترجيح أن يكون المسؤول عن التنفيذ شيخًا مسنًّا شارك في الحرب العالمية الثانية، أو مقاتلًا شيشانيًا، ولكن بعد مرور عامين اتضحت هوية الشاب الفسلطيني منفذّ العملية وتم اعتقاله والحكم عليها بالمؤبد.
تتغيّر الحكاية قليلًا في فيلم نجّار الذي يتابع في ساعتين وعشر دقائق قصة منفذّ العملية الذي تغيّر اسمه من ثائر إلى طارق (خالد أبو النجا) - وتغيرت بلدته من سلواد إلى سبسطية وتغيرت ديانته من مسلم إلى مسيحي- الذي يسجن عشر سنوات في السجون الإسرائيلية ويعود إلى بلدته ليفاجأ بموت زوجته واختفاء ابنته التي أودعت في أحد دور الأيتام، لتبدأ رحلته في البحث عن ابنته في المدن الفلسطينية.
بهذا التمهيد السردي، تؤسّس المخرجة دراما فيلمها على الثيمة الشهيرة "عودة الغائب" الذي يعود إلى عالمه القديم ويصطدم بطارئ الأحداث ومستجدات الوضع. ومع كلّ خطوة ومرحلة من رحلة طارق لاقتفاء أثر ابنته المفقودة ستتشكّل بداخله صورة جديدة عن وطنه وعالمه ونفسه: يبحث طارق، الحاصل على بكالوريوس الهندسة، عن عمل فينتهي به المطاف إلى إصلاح مواسير المياه لحساب واحد من الحيتان الصغيرة لمرحلة ما بعد أوسلو يدعى عادل (سهيل حدّاد).
لدي عادل مشغل لفساتين الزفاف تعمل به عدد من السيدات من بينهن ليلى (سعاد ماسي) التي تماطل في الزواج من عادل. لدى ليلى ولد من زوجها المتغيّب قسرًا وابنة بالتبني (ملك أرميلة). تنشأ علاقة صداقة بين طارق وملك التي يرى فيها ابنته المفقودة وترى فيه أبيها الغائب، يجدان في البلياردو مساحة مشتركة للتواصل وإنماء علاقتهما، وبطريقة ما يحدث استلطاف بين طارق وليلى لينطلق شرر ما يشبه العلاقة الرومانسية لتكتمل أضلاع مثلث الحب المتصارع.

اقتراب طارق من عمل عادل يضع يده على عديد من الأمور التي تتمّ في الخفاء ليصل إلى اكتشاف تعاون ربّ عمله مع الإسرائليين لإمداد مستوطنة جديدة بالمياه في الوقت الذي تنقطع فيه عن نابلس. يتشكّل صراع الفيلم الدرامي في مثّلث أضلاعه طارق وليلى وعادل وفي القلب منه نور/ملك. يقرّر طارق فضح عادل أمام أهل البلدة في يوم زفاف الأخير على ليلى، التي رفضت سابقًا الهرب مع طارق في سبيل تأمين حياة كريمة في ظلّ عادل المتنفذّ والقادر على توفير مستقبل مطمئن للعاملة الجميلة وأسرتها الصغيرة.
"عيون الحرامية" أُنجز بمساعدة مختبر صندانس لكتابة السيناريو واختير لتمثيل فلسطين في سباق "الأوسكار" للعام الماضي، والفيلم في عرضه لحكايته المتجذّرة في الواقع المظلم للاحتلال الإسرائيلي يبدو كأحد نتاجات ورش الكتابة الهوليوودية مع قفزات سردية غير مبرّرة والحرص على نثر بعض الترميزات والإسقاطات السياسية (الحديث الدائر وقت نقل طاولة البلياردو مثلًا) وتطعيم الفيلم بقدر موسيقى أكثر من اللازم، والمحاكمة المسرحية في نهاية الفيلم، والنهاية السعيدة نفسها التي تذكّرنا بالمشهد الشهير لشادية في نهاية فيلم "شيء من الخوف".
"عودة الروح" يصلح عنوانًا بديلًا لهذا الفيلم الذي حاولت مخرجته تقديم وجه آخر لحياة فلسطينيي الداخل المحتلّ وعرض النضال الوطني للفلسطيني المسيحي ضد الاحتلال، والإشارة كذلك إلى خلل النفس الفسلطينية بوجود المتعاملين مع العدو الذين يتحايلون على قهر إرادة أبناء وطنهم في سبيل طموحهم الشخصي المرتبط بالعدو، مع تركيز المخرجة على تفاصيل اليومي والمعاش للفلسطينيين في الأراضي المحتلة بما فيه من أوقات مرح وكدر وفرجة للتأكيد على تمسّك الشعب الفلسطيني بحقّه في الحياة "العادية".
التأكيد على عروبة القضية الفلسطينية كان محور الكثير من أحاديث المخرجة، ولا يظهر ذلك في كاستينغ الفيلم فقط ولكن في الاختيارات الموسيقية التي تتناثر في الفيلم فنسمع أغاني مصرية ولبنانية وفلسطينية وجزائرية، وكأن المخرجة تقول أن ما فشلت فيه السياسة ربما ينجح الفنّ في إيجاده. خالد أبو النجا وسعاد ماسي تدرّبا لفترة على اللهجة الفلسطينية وإن كان أداء الممثل المصري أوفر حظًا في الإقناع، ولم تخلُ هذه التجربة من المشاكل سواء مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تعنّتت كعادتها في استخراج تصاريح الدخول للممثلين، أو في اتهامات بالتطبيع لاحقت الممثل المصري المعارض للنظام الحاكم.



18‏/11‏/2015

"درب الصليب" لديتريتش بورجمان: ومن الإيمان ما قتل


في العام الماضي أثناء فعاليات المهرجانات السينمائية المختلفة، كنت كعادتي أتابع التغطيات الصحافية التي تقدمها المواقع السينمائية التي أتابعها وبدا واضحا بروز فيلمين ألمانيين عن غيرهما من الأفلام الألمانية الأخرى: "درب الصليب" و"فينيكس" كان اسمي الفيلمين. الأول لمخرجه الذي لم أسمع باسمه من قبل ديتريتش بروجمان (Dietrich Brüggemann)، والثاني لـ كريستيان بيتزولد (Christian Petzold) وهو واحد من مخرجيني المفضلين وأحد أبرز أسماء "مدرسة برلين" الجديدة للسينما إلى جوار توماس أرسلان (Thomas Arslan) وأنجيلا شانليك (Angela Schanelec).
"فينيكس" فيلم مميز يضيف مساحة جديدة للتقدير إلى قيمة وقامة مخرجه (وممثلته المعتادة والرائعة نينا هوس)، ولكن تركيزي في هذا المقال سيكون على فيلم "درب الصليب" للوافد الجديد في قائمة المخرجين الألمان الجديرين بمتابعة جديد أعمالهم (عُرض له فيلم جديد بعنوان "خلاص"في الدورة الأخيرة من مهرجان كارلوفي فاري، يناقش ظاهرة النازيين الجدد في إطار من الكوميديا السوداء). وبقليل من البحث وصلت إلى بعض المعلومات عن ديتريتش بروجمان: من مواليد ميونيخ في عام 1976. نشا في ألمانيا وجنوب أفريقيا و عمل في صناعة الأفلام في وظائف مختلفة بين الأعوام 1997 و2000 ليقوم بدراسة الإخراج السينمائي في أكاديمية السينما والتليفزيون في مدينة "بوتسدام" القريبة من العاصمة الألمانية. بدأ هذا المخرج أولى أفلامه الروائية الطويلة عام 2006، حين أخرج فيلم "تسعة مشاهد"، قبل أن يخرج فيلمه الروائي الثاني "اركض إن استطعت" عام 2010. وفي عام 2012 أخرج فيلمه الثالث "ثلاث غرف/مطبخ/حَمّام".
 في فيلمه الروائي الرابع، يحيلنا عنوانه إلى الطقس المسيحي الخاص بدرب الجلجثة والذي اختاره بروجمان ليضبط إيقاعا جنائزيا لفيلمه مُقسَّما إياه لأربعة عشر مقطعا ترقم المسيرة الإستعارية للبطلة (الحكم على المسيح بالموت، حمله للصليب.. إلخ) وهي تسير على درب جلجثة حديث تتماهي فيه عذاباتها مع ألم الناصري القديم جارّا صليبه الخشبي نحو حتفه. بلقطة طويلة وثابتة، شاحبة الألوان والإضاءة تمتد لحوالي ربع الساعة، يفتتح الفيلم حكايته ويُهيّيء مُشاهده لما سيتتابع من مَشاهد تحمل توقيع مدير التصوير المعتاد في أفلام بروجمان، ألكساندر ساز. على طاولة واحدة نشاهد اجتماع قِسّ شاب (فلوريان ستيتر) وحوله مستمعين صغار كنموذج مصغّر لمصانع الزحف المقدّس والطاعة الواجبة واليقين الداخلي الدائم. نستمع لنصائح القسّ الذي يدعو "رعاياه" الصغار إلى التضحية بكل متعة دنيوية في سبيل الإتحاد بالمسيح. وكأي مالك للحقيقة المطلقة من رجال الدين والناطقين باسمه، يدعو تلامذته لتوجيه "الآخرين" إلى المِثل: "حين تجدي صديقتك تستمع إلى الموسيقى، انصحيها بالتخلّي عن هذه المتعة-الخطيئة لإنها تبعدها عن السماء". حين تفرغ حجرة الدرس الكَنَسية بمغادرة التلاميذ، تنتظر ماريا (ليا فان آكن) لتسأل القِسّ عما يشغل بالها: هل تستطيع التضحية بحياتها لأجل المسيح؟ والمُشاهد بدوره لن يكون متأكدا عما إذا كانت الصبية تبنّت دعوة ذلك الكاهن في أن تكون "مُحارِبة من أجل تعاليم المسيح"، أم أنها تلبّست محنته بإرادتها قبل اقتناعها؟. لا يقدم المخرج شرحا أو تبريرا لتلك "القفزة الإيمانية" التي تأخذها ماريا من أجل التقرُّب إلى السماء، وما يقوله الكاهن حول "الخطوة الهائلة اللازمة لردم المسافة بين المنطق ولا احتمالياته" ليس سوى أحجية موجّهة إلى المتفرّجين الذين سيتابعون مسارا متداعيا ستسلكه حياة ماريا في رجائها المستمر للالتحاق بالربّ الذي يناديها.

هناك شيئا مميزا في هذا الفيلم
الأفلام لا تفوز بدب "برلين" الفضي من دون أسباب وجيهة. حتى في فئة أفضل سيناريو التي استحدثها المهرجان العريق؛ يظلّ حمل تمثال الجائزة مؤشراً جيداً على عمل يستحق التقدير. ومن الإنصاف القول أيضا أن المهرجانات السينمائية الأوروبية الكبرى تعطي اهتماما وتقديرا لمحاولات تطوير وتثوير الصورة والسرد السينمائي أكبر مما تفعل مع توثيق اليومي والمعيش. "درب الصليب" لديتريتش بروجمان يتوافق تماما مع القواعد الضمنية للفوز في "برلين": سلسلة قوية من اللوحات السينمائية ذات اللقطة الواحدة تدين بكثير من فاعليتها لأسلوبها بدلا من مضمونها. ربما من الغريب التفكير في شيء مثل "معرض سينماتوغرافي"، ولكن إذا كان ثمة فيلم استفاد من ذلك الشيء فالمؤكد أنه "درب الصليب". تقدير الفيلم على مزاياه يأتي مع ملاحظة: الأعمال التي تنال حظّها من المديح النقدي المكثّف،عادة ما تكون مدينة لأفلام معاصرة أخرى ربما تفضلها، وعلى هذا النحو يخفت بريق الأولى حين توضع في مواجهة اقتراحات راديكالية حقيقية. عمل "بروجمان"، الذي يقدّم نفسه كبحث سينمائي شديد العلمانية حول "صناعة الإيمان"، يبدو في بعض الأحيان مجوّفا ويدور حول نفسه في حلقة مفرغة من دون مقاربة دقيقة لعملية التلقين الديني المُمهِدة للثيوقراطية التي ينتقدها الفيلم. من الصعب أن تجد لفتة تهكّمية أو لقطة تتطلب الكثير لانجازها، وبنفس القدر تكون صعوبة مَحبّة المُشاهد لشخصيات الفيلم التي تأتي لتحاكي تقشّف الفيلم الأسلوبي بطريقتها الزاهدة في الحياة، ليعمل الفيلم أخيرا من خلال ثيماته المختارة كدراسة مكثّفة لمفهومي التضحية والموت.  
كل ما في هذا الفيلم يغلّفه شيء من الجِدّة الفكرية والكآبة الملازمة والقسوة المبطّنة في آن واحد. في آتون حكاية الفيلم، ماريا ذات الأعوام الأربعة عشر (بالتأكيد)، كاثوليكية بافارية ملتزمة تصبح مهووسة بالقداسة والخطيئة، تلعب دورها ليا فان آكن في أداء سينمائي نادر يعتمد على شيء آخر غير سحر التأثير الطفولي. بدلا من ذلك تبدو ماريا باردة، محافظة، تميل لاطلاق الأحكام، وبالأساس لا تدعو المتفرج للوقوع في حبها. كاتبة السيناريو "آنّا" شقيقة المخرج، تستحق بعضا من المديح على تماسك شخصية ماريا كما ظهرت في الفيلم بديلا عن اللجوء لكليشيه الفتاة التي تترك سنوات مراهقتها الصعبة وراءها في الكنيسة لتنطلق في الحياة (1). شخصيات الفيلم هم هؤلاء البشر الذين يبحثون عن شفاعات لخطايا تدركهم أينما حلّوا، مصبوبون على أن الخطيئة ملازمة للإنسان في دنيا تغريه بالشهوات فتخدش طهارته. وليس سوى صراع يومي ودائم يتبع ذلك الادراك للثقل الوجودي للانسان (من زاوية دينية بحتة)، صراع يؤمن خائضوه بربّانيته وضرورته للتحرّر من براثن الشهوة. ماريا، وهي واحدة من تلك الشخصيات، تنشأ على هذا الشكّ الأبدي في موبقات تحاصرها، فتقع الصغيرة ضحية صراع أكبر منها: صراع إيمان وإنكار، حياة وموت، وجود وعدم. تتساءل إن كان يجب عليها الافتداء بروحها لإبن الربّ كي تثبت لوالدتها المتعصّبة ولزملائها تفانيها الإيماني واستعدادها للشهادة، عملاً بـإنجيل يوحنا الذي يقول: "كُلّ مَنْ يؤمن بيسوع، تكون له حياة أبدية". تشخيص ماريا باعتبارها مُلتزمة دينيا تدفعها معاناتها أكثر إلى الإيمان وكراهية الذات معا، هو تصوّر صادق وأمين للأصولية الدينية أكثر مما قد يعترف به الكثيرون، وهذا التشخيص بالتحديد هو مكمن أهمية الفيلم وقصّته.
من المخيّب للآمال بعد ذلك أن محاولات تطوير السرد تدعيما لتلك الشخصية تتمّ إعاقتها -بدلا من تعزيزها- برمزية "درب الصليب" التي يستخدمها المخرج لهيكلة فيلمه وترقيم مشاهده. كلّ لقطة من لقطات الفيلم الأربع عشرة يسبقها تصدير نصّي، باللون الأبيض على خلفية الشاشة السوداء، يخبرنا رقم وتسمية مرحلة من مراحل صلب المسيح التي ستتصلّ بالمشهد القادم. المتفرّجون ممن هم على دراية كافية بالكاثوليكية (أغلب المتفرجين المصريين لا ينطبق عليهم ذلك الوصف) سيعلمون بالضرورة طيف المشاعر الإنسانية الذي يستكشفه هذا المسار، مع المسيح (/ماريا) الذي يقع تحت وطأة الصليب ثلاث مرّات، ويجد السلوى في طيبة الآخرين، وفي الأخير يقابل نهايته. ولكن إصرار "بروجمان" على حوار  "ثقيل" ومكثّف فوق مساحة نصّية ممتدة، ينتهي ببيعه تلك البنية الذكية "على المكشوف"، إذا جاز التعبير.

ديستوبيا الإيمان
يُصوّر بروجمان محيط بطلته في رتابته وعاديته وصرامته اليومية لتتضحّ صورة ماريا المتشرنقة داخل إيمانها وهي تكتشف أمورا غائبة عن حياتها: الحب، الغيرة، الغضب، الإيثار. يتم استهدافنا لقراءة تعنّت اللقطة الواحدة والتقسيم المرحلي ككناية عن إدراك ماريا للإيمان، إدراك "الأسود والأبيض" كمسار متسلسل من الأحجار الخطرة للوصول إلى الربّ، يتم اختباره من قبل الشيطان والموسيقى. يقابل ذلك إصرار الأم (فرانشيسكا فايس) الذي لا يلين على الاستكانة لقولبتها الفكرية، وهو ما عبَّرت عنه طيلة الفيلم بلا توقُّف وحتى بعد موت ابنتها في المستشفى. تتناوب الأم عاطفتها الأمومية وفي نفس الوقت إيمانها "الجوثيكي" بطرق وحلول "روحية" ترى فيها خلاصا لابنتها المسجاة على سرير موتها. تأتي بالقِسّ كي تحل عليها البركة، ولكن تضلّ البركة طريقها وتذهب ماريا في غيابٍ أبدي. تصرّ الأم على تأكيد إيمانها بعد موت ابنتها بقولها أن موتها "تضحية افتدت به ماريا شقيقها المريض ونالت به بركة الربّ". تصوير والدتها كمبشرّة إنجيلية بلا قلب، باعتبارها حارس النِعَم والامتنان لها، والقَيِّم على توزيع البشارة، كونها "قدرة الله لخلاص كل مؤمن"، وتكريس وقت أطول على الشاشة لخطبها وتقريعها لابنتها بدلا من شخصية مؤثرة مثل الكاهن الشاب والوسيم (والمتملّق أيضا) الذي يحدّث الأطفال في مدرسة الأحد عن كونهم "محاربي المسيح"، اختيارات كهذه تعطي الانطباع بالحسم الواقعي الذي ينحاز له صنّاع الفيلم على حساب تحويل الفيلم إلى حكاية رمزية عن الحياة الحديثة. مَشاهد كثيرة انتظرتْ لحظة انفجار والدة ماريا بالغضب على مخالفة ضد الرب، بنفس الطريقة التي نقضي فيها الوقت مع أفلام هانيكى وكيسلوفسكي منتظرين لحظة من الفُحش أو العنف أو أيا من علاماتهم المميزة. هنا لا يفعلها بروجمان بالطريقة المثلى.
المَرجع الآخر للفيلم يمكن العثور عليه عند المخرج السويدي روي أندرسون (Roy Andersson)(2)، الذي تميل أنطولوجياته الفيلمية العبثية إلى توظيف مشابه للمدّة الزمنية للّقطات والإضاءة وباليتة الألوان والاقتضاب الحواري. في هذا الصدد، يملك بروجمان المقدرة على منح فيلمه الازدهار الشكلاني الذي يستخدم بشكل جيد رغبة الجمهور في أسلوب اللقطة الواحدة الطويلة. حين تمرض ماريا بشكل غير متوقع وتنهار في حفل تعميدها، يتم سريعا استبدال الديكور الفاخر والمذهب للكاتدرائية بمكتب طبي بارد ومبالغ في تعقيمه، وبمعاونة حمولة بصرية قوية تذكّرنا بالواقع بواسطة لوحات الصليب (3) يقدّم بروجمان قطعة من "النحو" السينمائي الفاتن. الثلث الأخير من الفيلم يصوّر ماريا في نزولها عن قمتها الإيمانية إلى ما يُفترض أن يكون "صعودها اليسوعي"، يضرب بقوة تكافىء باقي أجزاء الفيلم. التلقين الذي تسبّب في ضياع أمنيتها في الموت مُتخفّفة من ثِقل الخطيئة، فشل في إيصال ماريا للطهارة التي وُعدت بها، ولكن ينتهي الفيلم مع لقطة لا تُمحى لزميل المدرسة الذي يشاهد رافعة تهيل التراب على قبرها في يوم شتوي غائم، الصليب بجوار القبر مائل إلى الأرض والولد يرمي بوردة بيضاء إلى ماريا في قبرها.
مع كل هفواته -وكثير منها يبدو مدفوعا بالرواج النقدي لأسلوب كان يمكن للفيلم الاستفادة منه بصورة أكبر- فإن "درب الصليب" يظلّ أكثر من مجرد فيلم يوفّر لحظات "عميقة" عن الدين والإيمان، بل هو ابداع بصري قادر على مغالبة قيوده ليقدم فيلما صارخا ولكن محدد ويعرف هدفه جيداً، ليخرج مُشاهده في نهاية هذا الدرب الكابوسي بخبرة ثقيلة عن التحريض العقائدي الذي لا يمنع التقوى وكل الأماني الطيبة للمؤمنين من زلّات الفهم الخاطيء والمدمّر للأديان وتعاليمها.


هوامش:

(1) يمكن الإشارة إلى فيلم قريب جغرافيا وزمنيا من فيلمنا وهو الفيلم الهولندي الجميل (Dorsvloer vol confetti) والذي قارب موضوعا مشابها من دون تفادي ذلك الكليشيه.
 (2) بحيث بسيط على جوجل ومقارنة فيلم بروجمان بفيلم أندرسون "أنت، الحياة" (You, the Living) ستوضّح مدى تشابه الفيلمين.
(3) اللقطات الأربع عشرة المعروضة هنا تحاكي النقوشات الخشبية والرسومات التقليدية في صحن الكنيسة الكاثوليكية.

12‏/11‏/2015

الحياة اليومية للآلهة: صور


يقوم الفنان الأوكراني أليكسي كونداكوف بالعمل على مشروع مستمر يسمّيه "الحياة اليومية للآلهة"، يدّس فيه شخصيات لوحات البورتريهات الكلاسيكية في بيئات حديثة وأجواء كئيبة غالباً وعادة ما تكون النتيجة مفاجئة ولافتة.

4‏/11‏/2015

معرض للأيدي 2


A Walk to Remember (Adam Shankman, 2002)
A Girl Walks Home Alone at Night (Ana Lily Amirpour, 2014)
Home Alone (Chris Columbus, 1990)
Kairo (Kiyoshi Kurosawa, 2001)
Pulp Fiction (Quentin Tarantino, 1994)
Nanook of the North (Robert J. Flaherty, 1922)

31‏/10‏/2015

" Le meraviglie".. الحياة على الحافة


"القصة ليست طريقا نتبعه إنها أشبه بالمنزل. تدخله وتبقى هناك لفترة، تتجوّل ذهابًا وإيابًا، وتحلّ حيث تشاء، وتكتشف كيف أن الغرف والممرات تتصل ببعضها البعض، كيف أن العالم بالخارج يتغيّر  بالنظر إليه من خلال تلك النوافذ. وأنت، الزائر، القاريء، تتغيّر كذلك بوجودك في هذا المكان المغلق سواء كان فسيحًا ومريحًا، أو ممتلئا بالمنحنيات والطرق الملتوية، مفروشًا بسخاء أو بتقشّف. يمكنك العودة مرارًا وتكرارًا، ودائما القصة، البيت، ستحتوي على أكثر مما رأيت في المرة الأخيرة."  – أليس مونرو

إستعارة أليس مونرو للقصة-البيت هي توضيحية بالأساس، ولا سيما لتجربة مشاهدة الفيلم الإيطالي "Le meraviglie" أو (العجائب)، وذلك لأن الفيلم يُحوّل مُشاهده إلى أحد مكونات بيته (بيت الفيلم) مانحًا إياه التواصل الحميم لملاحظة أحداثه بدلًا من الوقوف بعيدًا على طريق السرد. كضيف سيتم التعامل معك بكرم، بالنظر للوقت والقرب اللازمين لإلتقاط تفاصيله وتحصيل شعور ما بايقاعه وتكوينه الشامل. عالم "العجائب" مكتمل وجذاب حتى أن الـ 110 دقائق (مدة الفيلم) ستشعر بها مقيمة بالكامل في إطاره: بعفويّة متألقة يرسم صورة دقيقة لحياة أسرة ريفية تواجه خطر فناء العالم كما تعرفه، ويلتقط مشاعر فتاة ريفية مراهقة محاصرة بين رغبتها في إستكشاف العالم وبين عناد والدها التقليدي.  عالمان مفتوحان على التعاسة اليومية وثقل ما هو قادم ولا يمكن تصحيحه.

مرّة أخرى تثبت المخرجة أليتشي رورواتشر (Alice Rohrwacher) (1981( لماذا يعتبرها البعض مستقبل السينما الإيطالية وتؤكد نفسها باعتبارها واحدة من ألمع المواهب الشابّة في السينما الإيطالية حاليًا. هذا المديح النقدى وجد صداه حين سلّمتها مواطنتها النجمة صوفيا لورين جائزة لجنة التحكيم الكبرى في النسخة 67 من مهرجان "كان" السينمائي. في هذه الدراما العائلية، تتابع "رورواتشر" باكورتها الإخراجية المؤثرة " Corpo Celeste" مع هذه الحكاية شبه البيوغرافية والنابضة بالحيوية لنضال إحدى العائلات من أجل إبقاء رأسها فوق الماء في مواجهة المدّ المتغيّر.

نحن في وسط إيطاليا تقريبًا، وبالتحديد في مزرعة متداعية في ريف أومبريا تبدو ككوميونة أوروبية أو مملكة محمّية بنأيها المكاني، يملكها ويديرها بحس بطريركي فظّ فولفجانج (ظاهريًا يبدو ألمانيًا ويقوم بدوره الممثل الفلمنكي متعدد اللغات Sam Louwyck) وبناته الأربع الصغار. هذا الحشد يحفظ نظامه الأم، المنهكة في العمل وملاحقة الأطفال، أنجيلكا ( قامت بدورها الشقيقة الكبرى للمخرجة، الممثلة ألبا روروتشر Alba Rohrwacher) وتساعدها كوكو (Sabine Timoteo) والتي يبدو للمشاهد أنها أخت الزوج أو الزوجة. تربية النحل وبيع عسله هي تجارة تلك العائلة ومصدر دخلها الأساسي، لذا فالمردود المالي لتجارتهم الصغيرة يكفي حاجتهم ولكن مع الإقتصاد في المعيشة.
هناك تجهيزات متواضعة بالمزرعة – المعدات المستخدمة في جني العسل بسيطة وقديمة- ولكن يبدو ذلك كقناعة نسبية من الأسرة ووفاءً لطرقهم الفلاحية القديمة. فولفجانج شخصية صارمة ولكنه عادل، وأخلاقيات العمل لديه قوية ما يعني أن "هناك خبز كافٍ على المائدة لكلّ من يجلس عليها". ولكن سؤال "إلى متى سيظل هذا الحال؟" يظهر عندما تملي عليهم شروط التمدّن والتنظيم الإداري تحديث أدواتهم وإلا واجهوا خطر توقف نشاطهم. إستقرار العائلة يتهدّد كذلك بفعل استضافتها لمراهق صموت وشقي يدعي مارتن كجزء من برنامج إعادة تأهيل الأحداث الذي تديره الحكومة الألمانية. هذا الدخيل سيأتي من وراءه بعض المال وكثير من المشاكل الصامتة بين الوالد وإبنته الكبرى جيلسومينا (الرائعة Maria Alexandra Lungu). يعمل الجميع بجدّ لزيادة إنتاج العسل وأيضًا لمواجهة خطر المبيدات القادمة من المزرعة المجاورة والمسئولة عن قتل النحل، كما ستصحّح جيلسومينا لوالدها.




كما في باكورتها، صوّرترورواتشر" جديدها بصيغة  "فيلم واقع" من دون أن يكون "وثائقيًا"، حيث التركيز على أجواء المزرعة وتفاصيل الحياة اليومية لعائلة يستقوي فيها الأب بفكرة أنه الرجل الوحيد بين مجموعة الإناث.  تتجوّل الكاميرا بين مساحات العمل واللهو، حول المزرعة ومعامل تخزين العسل، داخل حظائر ومراعي الحيوانات -الأليف منها والغريب- ، بين جدران غرف النوم وساحات لعب الصغار، عند طاولات الأحاديث العائلية، هناك في حقول الريف الواقعة بين أومبريا ولازيو وتوسكاني الإيطالية المشهورة تاريخيًا بعدائها لأتمتة (Automation) الزراعة، حيث الكثير من العائلات الإيطالية ذات الجذور النمساوية (بالضبط مثل المخرجة نفسها).

بكثير من الفهم والتعاطف تقدّم "رورواتشر" شخصياتها بطريقة تجعلها أقرب إلى نسخة نسائية حديثة من الواقعية الإيطالية، بالتحديد أفلام فيتوريو دي سيكا. تمثّل العائلة على نحو فعّال القيم التقليدية للطبقة الإيطالية العاملة والتي يتم تهديدها من قبل شركات البيزنس الضخم في الأجزاء الأقل تقدمًا في الدولة الإيطالية (تتجسّد هنا بأصوات عالية لطلقات صيادين متجوّلين يقابلها سيل من اللعنات يصدرها فولفجانج). إنها صورة متعاطفة وتبدو سنتمنتالية، ولكن "رورواتشر" لا تقول ما تريده بصوت عالٍ: لا تمجّد نمط حياة الفلاحين ولا تدين المناخ الإقتصادي الذي يعتصرهم ببطء. بدلأ من ذلك توجه تركيزها إلى العلاقة بين فولفجانج (الممتنّ لكل شيء ولكن برغبة أخيرة يائسة في إنجاب ولد يحمل إسمه) وإبنته البكرية جيلسومينا، تكرّس لهما المخرجة متسلسلة من المشاهد العذبة المعتنى بها أثناء عملهما في أحد الحقول المجاورة الجافة بفعل الحرارة. في تحيّة واضحة لفيكتور إيريس وأيقونته "روح خلية النحل".



التصوير السينمائي الباذخ للمصوّرة هيلين لوفار ((Hélène Louvart وشمس أومبريا المتموّجة، يضفيان على تلك المشاهد طبيعة حلمية تسير جنبًا إلى جنب مع الوضع العائلي المضغوط. هنا بالضبط يأخذ الفيلم خطوته الواضحة في التحوّل الدرامي: بينما يتجادل البالغون حول كيفية إستبدال مُعدّاتهم القديمة، توفّر الفتيات الصغيرات العون والإلهاء بنفس القدر كما هي عادة الأطفال. يتكشّف المسار الأسرع للخلاص على هيئة مسابقة تلفزيونية للمواهب "عجائب القرية" حيث جائزة نقدية مغرية تنتظر العائلة المزارعة "الأكثر ودًّا وإجتماعية". بطبيعة الحال، المسابقة عبارة عن عرض تافه مخلوط بخِفّة الدم ولكن المختلف هنا هو  من يقدّمه، مونيكا بيلوتشي (Monica Bellucci) بكل تلك الهالة من الجلامورية والتقديس والإبهار ،والوعي الذاتي للدور الذي تضطلع بأدائه. لكن فولفجانج، بدافع من العناد المطلق لذكوري عتيد، لا يبدي إهتماماً بالفكرة التي تداعب خيال ابنته الكبرى مما يدفع الأخيرة إلى عصيان "والدها العزيز" (dear papa بحسب الترجمة الإنجليزية) في محاولة فردية لإنتشال الأسرة من الوحل. الأزمة تتعقّد حلقاتها، والبحث عن معجزة يشغل بال الجميع حتى أفراد الطاقم التلفزيوني الباحثين عمّا يملأ فراغهم المتحضّر، ولكن المعجزات لن تأتي من الخارج. ما يحاول الفيلم قوله –بخفوت- هو أن البشر قادرون على صنع مصائرهم والتحكم في أحوالهم. 
في "Corpo Celeste" أو (جسد سماوي) تختم المخرجة فيلمها بمشهد يسأل فيه أحد الصبية الغرباء الفتاة "مارتا" بطلة الفيلم: "هل تودين رؤية اعجوبة؟" ويقدّم لها ذيل سحلية مقطوع تتناوله بين راحتيها ويظلّ يتلوّي على يديها حيًا، في إشارة إلى بدء مسار جديد في حياتها الرتيبة والمتخمة بالنفاق الديني ممن حولها. تلك "الأعجوبة" ستأتي من جديد إلى فيلمنا ولكن هذه المرة في صورة بشرية، حين تقوم "جيلسومينا" باخراج نحلات من فمها وسط دهشة من حولها. عجائب أخرى ستأتي بها عدسة هيلين لوفار "ضياء وظلال، حيوانات أليفة، وأسرار طفولة" غير أن السحر  ربما لا يجد له مكانًا في هذا العالم، لتختتم "رورواتشر" فيلمها بالمنزل الريفي مهجورًا ومتهالكًا كأن لم تسكنه حياوات نابضة وأحلام وادعة. البيت الذي عشنا فيه طيلة 110 دقيقة.



*****
في السطور التالية ترجمة قمت بها لحوار أجراه الناقد الإيطالي كاميللو دو ماركو مع المخرجة ونُشرت ترجمته الإنجليزية على موقع  سيني يوروبا
سيني يوربا: هناك العديد من أوجه الشبه بين حكاية الفيلم وسيرتك الذاتية؟
المخرجة: نعم هذا شيء واضح. أنا اتحدّث عن الأشياء التي تنتمي إليّ، منطقتي وعالم النحل وعائلة متعددة اللغات. ولكنها ليست سيرة ذاتية بالرغم من كون الفيلم "شخصي" للغاية.
- هل ساعدك وجود شقيقتك الكبرى ألبا في الفيلم؟
- لقد كانت الأمور طبيعية بيننا وفي نفس الوقت مثيرة للإندهاش. العمل مع أختي كان شبيها بقدرتي على العمل في بيتي الخاص وربما حتى ببيجامة البيت. يكن للمرء إكتشاف الضوء القادم من النافذة التي لم يلاحظها من قبل قط.
- في الفيلم هناك عناصر تضع القصة في سياق فترة التسعينيات
- نحن لا نعرف بالضبط عن أي الفترات نتحدث، كل ما أستطيع قوله هو أن القصة تحدث بعد عام 1968. وهذا بسبب أنه في 1968 شيئًا ما تمّ تحطيمه وكان على أحدهم العودة وتجميع القطع معًا مرة أخرى. هذه القصة مع ذلك تتعلّق بالحاضر، الوقت الذي حان لغفران شيئًا ما حدث في الماضي. أردت اتباع الإبنة البكر حتى لحظة نجاحها في الشعور بالمحبة (Affection) تجاه نفسها وحكايتها الشخصية. المحبة وليس التمجيد أو الغضب. المحبة تسمح لها بأخذ خطوة للأمام.
- الوصول المفاجيء لجهاز التليفزيون في القصة يأخذ منحى فيللينيًا حالمًا ومجردًا.
- أود القول إنه جهاز تليفزيون جميل جدًا. التليفزيون يسبب الألم ولكن ذلك الألم ليس مردّه إلى ما أصبحه التليفزيون تاريخيا ولكن بالأحري إلى وسائل الإعلام (media) نفسها. التليفزيون في الحقيقة هو صندوق يبدو كما لو كان يُبقى الناس في وضع ما. ولكن تلك الأسرة لا تسمح بصندقتها. الناس في البرنامج ليس لديهم نوايا سيئة، إنها الميديا هي السيئة - أو بمعنى اشتقاقي (etymological)- الميديا هي الشيء الذي يسجن.
- لماذا أردتِ مونيكا بيلوتشي في دور مذيعة البرنامج التليفزيوني؟

- من الصعب تصوّر أي شخص آخر في هذا الدور. كنا بحاجة إلى أيقونة فريدة تهبط إلى البلدة حيث قمنا بالتصوير مع عدد كبير من الممثلين غير المحترفين. حضورها عني شيئا للجميع. ثم إنها إمرأة تملك حسًّا رائعًا من السخرية الذاتية (self-irony).