31‏/10‏/2015

" Le meraviglie".. الحياة على الحافة


"القصة ليست طريقا نتبعه إنها أشبه بالمنزل. تدخله وتبقى هناك لفترة، تتجوّل ذهابًا وإيابًا، وتحلّ حيث تشاء، وتكتشف كيف أن الغرف والممرات تتصل ببعضها البعض، كيف أن العالم بالخارج يتغيّر  بالنظر إليه من خلال تلك النوافذ. وأنت، الزائر، القاريء، تتغيّر كذلك بوجودك في هذا المكان المغلق سواء كان فسيحًا ومريحًا، أو ممتلئا بالمنحنيات والطرق الملتوية، مفروشًا بسخاء أو بتقشّف. يمكنك العودة مرارًا وتكرارًا، ودائما القصة، البيت، ستحتوي على أكثر مما رأيت في المرة الأخيرة."  – أليس مونرو

إستعارة أليس مونرو للقصة-البيت هي توضيحية بالأساس، ولا سيما لتجربة مشاهدة الفيلم الإيطالي "Le meraviglie" أو (العجائب)، وذلك لأن الفيلم يُحوّل مُشاهده إلى أحد مكونات بيته (بيت الفيلم) مانحًا إياه التواصل الحميم لملاحظة أحداثه بدلًا من الوقوف بعيدًا على طريق السرد. كضيف سيتم التعامل معك بكرم، بالنظر للوقت والقرب اللازمين لإلتقاط تفاصيله وتحصيل شعور ما بايقاعه وتكوينه الشامل. عالم "العجائب" مكتمل وجذاب حتى أن الـ 110 دقائق (مدة الفيلم) ستشعر بها مقيمة بالكامل في إطاره: بعفويّة متألقة يرسم صورة دقيقة لحياة أسرة ريفية تواجه خطر فناء العالم كما تعرفه، ويلتقط مشاعر فتاة ريفية مراهقة محاصرة بين رغبتها في إستكشاف العالم وبين عناد والدها التقليدي.  عالمان مفتوحان على التعاسة اليومية وثقل ما هو قادم ولا يمكن تصحيحه.

مرّة أخرى تثبت المخرجة أليتشي رورواتشر (Alice Rohrwacher) (1981( لماذا يعتبرها البعض مستقبل السينما الإيطالية وتؤكد نفسها باعتبارها واحدة من ألمع المواهب الشابّة في السينما الإيطالية حاليًا. هذا المديح النقدى وجد صداه حين سلّمتها مواطنتها النجمة صوفيا لورين جائزة لجنة التحكيم الكبرى في النسخة 67 من مهرجان "كان" السينمائي. في هذه الدراما العائلية، تتابع "رورواتشر" باكورتها الإخراجية المؤثرة " Corpo Celeste" مع هذه الحكاية شبه البيوغرافية والنابضة بالحيوية لنضال إحدى العائلات من أجل إبقاء رأسها فوق الماء في مواجهة المدّ المتغيّر.

نحن في وسط إيطاليا تقريبًا، وبالتحديد في مزرعة متداعية في ريف أومبريا تبدو ككوميونة أوروبية أو مملكة محمّية بنأيها المكاني، يملكها ويديرها بحس بطريركي فظّ فولفجانج (ظاهريًا يبدو ألمانيًا ويقوم بدوره الممثل الفلمنكي متعدد اللغات Sam Louwyck) وبناته الأربع الصغار. هذا الحشد يحفظ نظامه الأم، المنهكة في العمل وملاحقة الأطفال، أنجيلكا ( قامت بدورها الشقيقة الكبرى للمخرجة، الممثلة ألبا روروتشر Alba Rohrwacher) وتساعدها كوكو (Sabine Timoteo) والتي يبدو للمشاهد أنها أخت الزوج أو الزوجة. تربية النحل وبيع عسله هي تجارة تلك العائلة ومصدر دخلها الأساسي، لذا فالمردود المالي لتجارتهم الصغيرة يكفي حاجتهم ولكن مع الإقتصاد في المعيشة.
هناك تجهيزات متواضعة بالمزرعة – المعدات المستخدمة في جني العسل بسيطة وقديمة- ولكن يبدو ذلك كقناعة نسبية من الأسرة ووفاءً لطرقهم الفلاحية القديمة. فولفجانج شخصية صارمة ولكنه عادل، وأخلاقيات العمل لديه قوية ما يعني أن "هناك خبز كافٍ على المائدة لكلّ من يجلس عليها". ولكن سؤال "إلى متى سيظل هذا الحال؟" يظهر عندما تملي عليهم شروط التمدّن والتنظيم الإداري تحديث أدواتهم وإلا واجهوا خطر توقف نشاطهم. إستقرار العائلة يتهدّد كذلك بفعل استضافتها لمراهق صموت وشقي يدعي مارتن كجزء من برنامج إعادة تأهيل الأحداث الذي تديره الحكومة الألمانية. هذا الدخيل سيأتي من وراءه بعض المال وكثير من المشاكل الصامتة بين الوالد وإبنته الكبرى جيلسومينا (الرائعة Maria Alexandra Lungu). يعمل الجميع بجدّ لزيادة إنتاج العسل وأيضًا لمواجهة خطر المبيدات القادمة من المزرعة المجاورة والمسئولة عن قتل النحل، كما ستصحّح جيلسومينا لوالدها.




كما في باكورتها، صوّرترورواتشر" جديدها بصيغة  "فيلم واقع" من دون أن يكون "وثائقيًا"، حيث التركيز على أجواء المزرعة وتفاصيل الحياة اليومية لعائلة يستقوي فيها الأب بفكرة أنه الرجل الوحيد بين مجموعة الإناث.  تتجوّل الكاميرا بين مساحات العمل واللهو، حول المزرعة ومعامل تخزين العسل، داخل حظائر ومراعي الحيوانات -الأليف منها والغريب- ، بين جدران غرف النوم وساحات لعب الصغار، عند طاولات الأحاديث العائلية، هناك في حقول الريف الواقعة بين أومبريا ولازيو وتوسكاني الإيطالية المشهورة تاريخيًا بعدائها لأتمتة (Automation) الزراعة، حيث الكثير من العائلات الإيطالية ذات الجذور النمساوية (بالضبط مثل المخرجة نفسها).

بكثير من الفهم والتعاطف تقدّم "رورواتشر" شخصياتها بطريقة تجعلها أقرب إلى نسخة نسائية حديثة من الواقعية الإيطالية، بالتحديد أفلام فيتوريو دي سيكا. تمثّل العائلة على نحو فعّال القيم التقليدية للطبقة الإيطالية العاملة والتي يتم تهديدها من قبل شركات البيزنس الضخم في الأجزاء الأقل تقدمًا في الدولة الإيطالية (تتجسّد هنا بأصوات عالية لطلقات صيادين متجوّلين يقابلها سيل من اللعنات يصدرها فولفجانج). إنها صورة متعاطفة وتبدو سنتمنتالية، ولكن "رورواتشر" لا تقول ما تريده بصوت عالٍ: لا تمجّد نمط حياة الفلاحين ولا تدين المناخ الإقتصادي الذي يعتصرهم ببطء. بدلأ من ذلك توجه تركيزها إلى العلاقة بين فولفجانج (الممتنّ لكل شيء ولكن برغبة أخيرة يائسة في إنجاب ولد يحمل إسمه) وإبنته البكرية جيلسومينا، تكرّس لهما المخرجة متسلسلة من المشاهد العذبة المعتنى بها أثناء عملهما في أحد الحقول المجاورة الجافة بفعل الحرارة. في تحيّة واضحة لفيكتور إيريس وأيقونته "روح خلية النحل".



التصوير السينمائي الباذخ للمصوّرة هيلين لوفار ((Hélène Louvart وشمس أومبريا المتموّجة، يضفيان على تلك المشاهد طبيعة حلمية تسير جنبًا إلى جنب مع الوضع العائلي المضغوط. هنا بالضبط يأخذ الفيلم خطوته الواضحة في التحوّل الدرامي: بينما يتجادل البالغون حول كيفية إستبدال مُعدّاتهم القديمة، توفّر الفتيات الصغيرات العون والإلهاء بنفس القدر كما هي عادة الأطفال. يتكشّف المسار الأسرع للخلاص على هيئة مسابقة تلفزيونية للمواهب "عجائب القرية" حيث جائزة نقدية مغرية تنتظر العائلة المزارعة "الأكثر ودًّا وإجتماعية". بطبيعة الحال، المسابقة عبارة عن عرض تافه مخلوط بخِفّة الدم ولكن المختلف هنا هو  من يقدّمه، مونيكا بيلوتشي (Monica Bellucci) بكل تلك الهالة من الجلامورية والتقديس والإبهار ،والوعي الذاتي للدور الذي تضطلع بأدائه. لكن فولفجانج، بدافع من العناد المطلق لذكوري عتيد، لا يبدي إهتماماً بالفكرة التي تداعب خيال ابنته الكبرى مما يدفع الأخيرة إلى عصيان "والدها العزيز" (dear papa بحسب الترجمة الإنجليزية) في محاولة فردية لإنتشال الأسرة من الوحل. الأزمة تتعقّد حلقاتها، والبحث عن معجزة يشغل بال الجميع حتى أفراد الطاقم التلفزيوني الباحثين عمّا يملأ فراغهم المتحضّر، ولكن المعجزات لن تأتي من الخارج. ما يحاول الفيلم قوله –بخفوت- هو أن البشر قادرون على صنع مصائرهم والتحكم في أحوالهم. 
في "Corpo Celeste" أو (جسد سماوي) تختم المخرجة فيلمها بمشهد يسأل فيه أحد الصبية الغرباء الفتاة "مارتا" بطلة الفيلم: "هل تودين رؤية اعجوبة؟" ويقدّم لها ذيل سحلية مقطوع تتناوله بين راحتيها ويظلّ يتلوّي على يديها حيًا، في إشارة إلى بدء مسار جديد في حياتها الرتيبة والمتخمة بالنفاق الديني ممن حولها. تلك "الأعجوبة" ستأتي من جديد إلى فيلمنا ولكن هذه المرة في صورة بشرية، حين تقوم "جيلسومينا" باخراج نحلات من فمها وسط دهشة من حولها. عجائب أخرى ستأتي بها عدسة هيلين لوفار "ضياء وظلال، حيوانات أليفة، وأسرار طفولة" غير أن السحر  ربما لا يجد له مكانًا في هذا العالم، لتختتم "رورواتشر" فيلمها بالمنزل الريفي مهجورًا ومتهالكًا كأن لم تسكنه حياوات نابضة وأحلام وادعة. البيت الذي عشنا فيه طيلة 110 دقيقة.



*****
في السطور التالية ترجمة قمت بها لحوار أجراه الناقد الإيطالي كاميللو دو ماركو مع المخرجة ونُشرت ترجمته الإنجليزية على موقع  سيني يوروبا
سيني يوربا: هناك العديد من أوجه الشبه بين حكاية الفيلم وسيرتك الذاتية؟
المخرجة: نعم هذا شيء واضح. أنا اتحدّث عن الأشياء التي تنتمي إليّ، منطقتي وعالم النحل وعائلة متعددة اللغات. ولكنها ليست سيرة ذاتية بالرغم من كون الفيلم "شخصي" للغاية.
- هل ساعدك وجود شقيقتك الكبرى ألبا في الفيلم؟
- لقد كانت الأمور طبيعية بيننا وفي نفس الوقت مثيرة للإندهاش. العمل مع أختي كان شبيها بقدرتي على العمل في بيتي الخاص وربما حتى ببيجامة البيت. يكن للمرء إكتشاف الضوء القادم من النافذة التي لم يلاحظها من قبل قط.
- في الفيلم هناك عناصر تضع القصة في سياق فترة التسعينيات
- نحن لا نعرف بالضبط عن أي الفترات نتحدث، كل ما أستطيع قوله هو أن القصة تحدث بعد عام 1968. وهذا بسبب أنه في 1968 شيئًا ما تمّ تحطيمه وكان على أحدهم العودة وتجميع القطع معًا مرة أخرى. هذه القصة مع ذلك تتعلّق بالحاضر، الوقت الذي حان لغفران شيئًا ما حدث في الماضي. أردت اتباع الإبنة البكر حتى لحظة نجاحها في الشعور بالمحبة (Affection) تجاه نفسها وحكايتها الشخصية. المحبة وليس التمجيد أو الغضب. المحبة تسمح لها بأخذ خطوة للأمام.
- الوصول المفاجيء لجهاز التليفزيون في القصة يأخذ منحى فيللينيًا حالمًا ومجردًا.
- أود القول إنه جهاز تليفزيون جميل جدًا. التليفزيون يسبب الألم ولكن ذلك الألم ليس مردّه إلى ما أصبحه التليفزيون تاريخيا ولكن بالأحري إلى وسائل الإعلام (media) نفسها. التليفزيون في الحقيقة هو صندوق يبدو كما لو كان يُبقى الناس في وضع ما. ولكن تلك الأسرة لا تسمح بصندقتها. الناس في البرنامج ليس لديهم نوايا سيئة، إنها الميديا هي السيئة - أو بمعنى اشتقاقي (etymological)- الميديا هي الشيء الذي يسجن.
- لماذا أردتِ مونيكا بيلوتشي في دور مذيعة البرنامج التليفزيوني؟

- من الصعب تصوّر أي شخص آخر في هذا الدور. كنا بحاجة إلى أيقونة فريدة تهبط إلى البلدة حيث قمنا بالتصوير مع عدد كبير من الممثلين غير المحترفين. حضورها عني شيئا للجميع. ثم إنها إمرأة تملك حسًّا رائعًا من السخرية الذاتية (self-irony).



21‏/10‏/2015

معرض للأيدي 1


Silent Light (Carlos Reygadas, 2007)
35  Shots of Rum (Claire Denis, 2008)
Perfect Blue (Satoshi Kon, 1998)
The Traveler (Abbas Kiarostami, 1974)
Blue Valentine (Derek Cianfrance, 2010)
Heartbeats (Xavier Dolan, 2010
The Spectacular Now (James Ponsoldt, 2013)
Heavenly Creatures (Peter Jackson, 1994)

5‏/10‏/2015

العب مع شخصيات ديفيد لينش

مصمما الألعاب روبرت جايثر وأنيا لوزجا قاما بعمل لعبة مجانية باسم (Fire Dance with Me) تقوم على شخصيات السلسلة التليفزيونية الشهيرة (Twin Peaks) لديفيد لينش. يمكن لمحبي السلسلة تجربة اللعبة والقيام بعمل التويستات بأنفسهم :)