30‏/3‏/2015

جروح مفتوحة: خمسة أفلام عن الحروب الأهلية

                                                                        من الحرب الأهلية اللبنانية 

في أحد أيام العام 1980، أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، قُتلت عائلة "ديجول عيد" أمام عينيه. الجريمة الفظيعة، التي شهدت مثلها مئات آلاف العائلات أثناء سنوات الحرب الأهلية الخمسة عشر، ترسّبت في عقل الطفل الذي رأى القاتل وحفظ صورته بداخله. بعد عشر سنوات من ذلك هاجر عيد الى فرنسا كي يدرس السينما، وفي 2007 وثّق مأساته العائلية في فيلم 'شو صار؟'. في أثناء تصوير أحد المشاهد، يصطدم عيد بالقاتل. لا يتشوّش عيد ويسأله: 'أتذكرني؟'، القاتل لن يتعرّف بالطبع على طفل في العاشرة. 'أنت قتلت أمي'، يقول له عيد.
ذكريات الحرب الأهلية موضوع حساس للغاية في لبنان. للذكريات طابع فتاك، فهي من شأنها في كل لحظة أن تعود لتنكأ الجراح التي لم تندمل بعد. وفي تاريخ السينما العربية، يحتل الإنتاج السينمائي المتعلق بالحرب اللبنانية والمسمّى اختصاراً «سينما الحرب» مكانة أساسية، إذ من المعروف أن ولادة هذه السينما مع اندلاع الحرب في لبنان كانت إيذاناً بولادة ما للسينما اللبنانية نفسها.
وفي حروب القرن العشرين لقى ما لا يقل عن 43 مليون من العسكريين حتفهم وأكثر من ذلك العدد من المدنيين حيث تشير المصادر التاريخية إلى سقوط ما يقارب 52 مليون من المدنيين. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الناجين من الحروب هم بطريقة ما خسائر صامتة جراء الصراعات العسكرية؛ بحملهم الكثير من آلام وأحزان الخسارة لسنوات طويلة. وربما يحاولون الحفاظ على العنف الذي شهدوه مختبئاً بداخلهم، خوفاً من التعاطي مع الماضي وجروحه الجسدية والنفسية.

 لكن تظل الصراعات الأهلية هي الأصعب للغاية بالنسبة للناجين الذين يشاهدون انهيار الحضارة الإنسانية والانزلاق السريع والخطير نحو عنف يغذّيه الخوف والطمع وجنون العظمة، وثمة اتفاق عام على أن الحروب الأهلية تحقق أعلى معدلات الجرائم الجماعية بحق البشرية، والسينما عندما تنتهي حرب أهلية في مكان ما من العالم تجد فيها مواد لإنتاج أفلام عن تلك الحرب وتصوير بشاعتها ومدى الجرائم التي ارتكبت فيها وآثارها اللاحقة على المجتمع الذي وقعت فيه وما أكثر الأمثلة في عالمنا الموعود بالقادة الدمويين.


  هنا نستعرض خمسة أفلام تناولت الحروب الأهلية ليس من بينها أي أفلام عربية، ولكن يمكنكم مشاهدة هذا الفيلم القصير عن الثورة السورية

The Travelling Players (1975)



الفيلم الذي تم إنجازه تحت حكم العسكر، يحكي براديكالية لا تنقصها العاطفة متاهة السياسة اليونانية حول مأساة الحرب الأهلية من خلال أعضاء فرقة مسرحية جوّالة تجوب اليونان لتعرض مسرحية من أواخر القرن التاسع عشر بعنوان "غولفو الراعية".
تدور الأحداث بين عامي 1939 و1952: تاريخان يرقمان ذكرى بدء الحرب العالمية الثانية، وإقامة الانتخابات الرئاسية التي مهّدت لانتهاء الحرب الأهلية اليونانية ورسّخت حكم العسكر الديكتاتوري في البلاد. وتُرى كسلسلة من الأحداث الفردية -غالباً ما يتعذّر تفسيرها- مذيّلة بمونولوجات وأغانٍ وشعارات كتبت على الجدران. يكشف الفيلم تلك الفترة المضطربة بالتركيز على الممثلين الذين قضوا تلك السنوات الأربعة عشر في التجوال على مقاطعات ومدن وقرى اليونان، يؤدون في ظروف رثة على نحو متزايد ميلودراما لم يتمكنّوا يوماً من عرضها كاملة، بينما بقي الخروف الساكن المرسوم على ظهر ملابسهم محدقاً في أجيال سُفكت دماؤها وعاينت الدمار.
هذه المجموعة الحزينة والرثة، والجائعة أحياناً، تقوم علاقتهم على روابط عائلية تعود لبيت أتريوس (House of Atreus) وتتنوع ميولهم السياسية بين المتعاون مع النازية (Aegisthus) والإنتهازي (Chrysothemis) والقومي اليوناني (Agamemnon) والرافض للسياسة (Clytemnestra) واليساري المثالي (Electra) والشيوعي المقاتل (Orestes). يملؤون أدوار أمثالهم الأسطوريين من القائد الهائم، الزوجة الخائنة، الإبن الخائن أو المنتقم. وفي تجوالهم وقت الحرب بتناقضاتها، فإنهم يبدؤون بطريقة غير واعية في إعادة تمثيل دورة أسخيلوس (Aeschylus) المأساوية كما حفظتها الميثولوجيا اليونانية.

يعطي المخرج ثيو أنجيلوبولوس أبعاداً أسطورية لفيلمه ومن دون التنازل للسرد السينمائي التقليدي؛ يقدّم رؤية ملحمية للتاريخ اليوناني باستخدامه لمحاولات الفرقة الجوّالة لعرض المسرحية كورقة للعبور إلى الاحتلال النازي وتداعياته، الحرب الأهلية بين الملكيين والماركسيين التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وخطر الإستبداد السياسي بشكل عام. هناك تأثيرات ماركسية، فرويدية، وبريختية واضحة في الفيلم ولكن أنجيلوبولوس ينجزه بأسلوبه المعتاد الذي سيطوّره على مدار مسيرته اللاحقة : لقطات طويلة وتجنّب شبه تام للقطات المقرّبة Close-up لصالح تحريك الكاميرا خلال سلسلة الرقصات الموحية بحيث يصبح الحدث في الأنحاء بدلاً من تصدّره الصورة، إبقاء مشاهد "الزمن الضعيف" التي تقع بين الحدث والآخر وفاءً لفكرة "الصورة الكبيرة" وتجنباً للتقطيع. يقدّم فيلماً مربكاً وبارداً أكثر منه عاطفياً ورومانتيكياً، وتماماً مثل "بريخت Brecht " – حيث الهدف ليس تماهي الجمهور مع الحدث بل خلق وعي ذاتي بالجدل الدائر- فإن أنجيلوبولوس لا يهدأ في محاولته لتصوير تلك الدوامة التاريخية التي تتطلّب الانتباه.





Underground (1995)

"ذات يوم كانت هناك بلاد، وكانت عاصمتها بلغراد".
بهذه العبارة صدّر المخرج الصربي إمير كوستوريتسا Emir Kusturica فيلمه هذا: تراجيكوميدي مذهلة وحكاية ملحمية عن الحب والصداقة والخيانة على خلفية تاريخية معقّدة ليوغوسلافيا السابقة. يتابع الفيلم في المسافة بين عامي 1941 حتى 1992 قصة اثنين من النصّابين الظرفاء: ماركو(Predrag Manojlovic)، ذو الكاريزما الساحرة الذي يتلاعب بكل شخص في متناول يده، وبلاكي (Lazar Ristovski) الأحمق ولكن المحبوب، وثالث مثلث الحب الشهير هي ناتاليا (Mirjana Jokovic)، ممثلة سهلة الانقياد يعشقها الصديقان. يتورّط الثلاثة في عالم من الصراع والمكر وخداع الذات - ولكن هناك أيضا لحظات من الحنان والحب – في إستعارة رمزية للبلقان وحيويته وفكاهته ورغبته في الحياة.
يعمل الصديقان في السوق السوداء، لكنّ مع بدء الاحتلال النازي للبلاد في العام 1941، يبدأن ببيع الأسلحة للمقاومة، فتبدأ ملاحقتهما من المخابرات الألمانية (Gestapo). فيلجئان مع عائلتيهما وعددٍ من المقاومين، إلى ملجأٍ تحت الأرض، يحولانه إلى مصنع للذخيرة. وبينما يتعافى "بلاكي" من إصابته على يد الجستابو، يسرق "ماركو" عشيقته ناتاليا. ماركو هو الوحيد من بينهم الذي يخرج من القبو وبالتالي هو رابطهم الوحيد بالعالم الخارجي وتطورات الحرب على الألمان (؟). بعد عشرين عاما، بلاكي والآخرون ما زالوا يختبئون تحت الأرض في كناية ساخرة عن تقوقع يوغوسلافيا الشيوعية تحت حكم تيتو، ومع دوران الزمن يزداد نفوذ ماركو من تاجر سلاح كبير إلى سياسي نافذ إلى أن يتغيّر الحال مع بداية التسعينيات وسقوط الإتحاد السوفيتي.

بتيمات مشابهة في غرابتها تتناثر بطول الفيلم الذي يمتد لحوالي الساعات الثلاث؛ ينجز كوستارتسا فيلماً عاصفاً ومتخماً بالكوميديا السوداء وكأنها الحلَ الأنسب لمقاربة جنون الصراعات في يوغوسلافيا السابقة. الكثير من الفانتازيا ولكن الشخصيات واقعية جداً رغم غرابتها. والحس الهزلي لا يغيب عن الفيلم حتى في أشد لحظاته حزناً ودموية؛ فبلاكي الروح الهائمة المُحبة ذو القدرة المذهلة على الاحتفال، عادة ما تصحبه فرقة موسيقية كاملة أينما ذهب. المخرج المولع بالموسيقى سيترك لها مهمة حث فيلمه على الدخول في إيقاعاتها الحيوية والنابضة بالحياة.
"تحت الأرض" هجاء احتفالي، ساخر، مرح لتاريخ ذلك البلد المتخم بالأحداث الكبيرة، ورؤية متمردة للجموح البشري في مواجهة القمع. الفيلم الذي يعتبره الكثيرون أفضل أفلام أمير كوستوريكا، حصل على سعفة كان الذهبية لعام 1995. 




The Wind That Shakes the Barley (2006)

"..وينكسر قلبي في كلّ مرّة أسمع فيها الريح التي تهزّ الشعير" تقول كلمات أغنية ذائعة في القرن التاسع العشر، تحكي عن شابٍ ثائر يستعد للتضحية بحبه، والانضمام للثورة الأيرلندية على البريطانيين في العام 1798، الأغنية التي أضحت بمثابة نداء وطني لحث الأيرلنديين على الكفاح من أجل الاستقلال، قرّر المخرج البريطاني (أو الأيرلندي) كين لوتش Ken Loach العودة إليها ليحكي عن ثورة أيرلندية أيضاً، لكن في زمنٍ أخر.
سيليان مورفي Cillian Murphy وبادريك ديلاني Padraic Delaney لعبا دور شقيقين (دميان وتيدي) ينضويان تحت لواء الجيش الجمهوري الأيرلندي للقتال من أجل الاستقلال عن بريطانيا في العام 1919، بعد أن شهدا مقتل صديق على يد عصابات انجليزية كانت تقوم بزيارات غير رحيمة بقريتهم الرعوية. يحتويك الفيلم على الفور ولا يفلتك من بين يديه (مذكّراً بقوة وتأثير الأفلام في زمن الحرب عندما تجتمع عناصر نجاحها). برفضه للوقوع في فخّ نظرة رومانسية لمثالية الشباب والاستعاضة بالقاء الضوء على الكيفية التي تؤدي إلى أخطاء مرعبة في الحكم على الأمور، فإن "لوتش" يأخذ حرب عصابات تحريرية من قبل ما يقارب المائة عام ويقدّمها بكامل قلقها الطازج كأخبار الصراعات التي تأتينا بها نشرات الأخبار اليومية. في لمحة إخراجية متمكنة يقوم لوتش، اليساري الملتزم بقضاياه، باظهار أهل القرية متجمّعين في سينما بدائية لمشاهدة ما يشبه نشرة إخبارية عن المعاهدة بين الحكومة الأيرلندية والبريطانية. الساسة المتفاوضون يغمغمون بكلام إلى عازف البيانو المحلي المرافق للعرض (كان ذلك قبل ظهور الصوت على شاشة العرض)، والجمهور تتغيّر حالته حين يكتشف أن "مايكل كولينز" وزعماء آخرين قد باعوهم للإنجليز.
بطريقة غريبة، كما تفعل السياسة دائماً، ومع تزايد الصراع ينحاز تيدي إلى الحلّ الوسط: قبول المعاهدة، بينما دميان -المتنامي راديكالياً- يرفض المعاهدة لانتقاصها من استقلال أيرلندا ويتجه إلى طريق الكفاح المسلح. هذا التطوّر يأخذ الفيلم في اتجاه آخر مذهل وكارثي في آن.

 اللمحات الإنسانية التي يضعها "لوتش" وشريكه المعتاد بول لافيرتي Paul Laverty لقصتهم تمنعها من كونها مجرد صراخاً حول "كيف استغل البريطانيون أيرلندا؟": الأيرلنديون يظهرون بصورة أفضل من الانجليز ولكن ينالهم بعض من اللوم أيضاً. الجميع ضحايا الحرب والتذكير بصغر سنّ شباب المقاتلين كان مؤثراً بقدر مشاهدة أعمار القتلى في العراق (وقت عرض الفيلم) وأعمار "الثوار" و"المجاهدين" في أيامنا هذه في سوريا والعراق.
بسيناريو كلاسيكي وشخصياتٍ واقعية وبراعة في تصوير الريف الأيرلندي، وأداءٍ متميّز من الممثلين؛ استحقّ الفيلم الحصول على سعفة «كان» الذهبية في العام 2007. وجدير بالذكر أنه أثار الكثير من الجدل وقت عرضه حتى أن بعض النقاد الانجليز شجبوه من دون أن يشاهدوه بالأساس، بدعوى اساءته للإنجليز وتحامل صنّاعه عليهم. وعلى الرغم من موضوعه القاتم ومتتالية التعذيب القاسي فإن الفيلم حقق نجاحاً كبيراً في شبّاك التذاكر وإلى الآن يمثّل النجاح التجاري الأكبري لمخرجه.



War Witch (2012)



عندما يبدأ الفيلم مع بطلته ذات الإثنى عشر عاماً التي يتم تسليمها بندقية وتضطر لقتل والديها، يمكنك أن تكون على ثقة من أن الدقائق التسعين التالية لن تكون سهلة المشاهدة. هذا هو الحال مع فيلم الكاتب والمخرج الكندي كيم نجوين (Kim Nguyen) الذي يحكي قصة كومونا (Rachel Mwanza)، فتاة صغيرة تُختطف من قبل المتمردين ويتم تحويلها إلى "طفلة مقاتلة" في مكان غير مُسمّى من صحراء أفريقيا الجنوبية الكبرى. الفيلم يؤكد على أنه من وحي الخيال، ولكن هناك ذلك الشعور المزعج بأن قصصاً كهذه قد حدثت ولا تزال تحدث في هذا العالم الذي يغرس "ساحرة الحرب" في واقعية مؤلمة لا مفرّ منها.
نجوين الذي أمضى ما يقرب عقد من الزمان في البحث لأجل تلك الوثيقة الدرامية عن الجنود الأطفال في أفريقيا، ينجز ذلك العمل المؤلم عن شجاعة مذهلة لفتاة أفريقية في محاولتها النجاة من كابوس تلو الآخر في سبيل الحفاظ على ما تبقى من إنسانيتها. فخلال العقدين الأخيرين تم إختطاف أكثر من ثلاثين ألف طفل أفريقي من عائلاتهم والزجّ بهم في حرب عصابات مهلكة تنتهك آدميتهم، ويضطر فيها الأطفال لقتل المدنيين الأبرياء واغتصاب النساء والفتيات الصغيرات بل وحتى تشويه المارة العابرين. يقول أحد الأطفال الجنود "هذه الحرب أحدثت ثقباً في روحي وغيّرتني إلى الأبد".

لكن في حين أن الفيلم هو بالتأكيد بورتريه قوي -ومروّع في بعض الأحيان- عن الظلم، فإنه ليس ثقيل الوطأة على طول الخط، ولكن ثقله الشعوري يتأتّي بمهارة وحساسية. نجوين يملك متعاونين رائعين: موانزا بأدائها الرقيق والمعقد توجّه الجمهور من مجرد مصمصة شفاه الشفقة إلى التعاطف الكامل مع مأساتها، والمصور السينمائي الفرنسي نيكولا بولدوك Nicolas Bolduc الذي، على طريقة تيرانس ماليك Terrence Malick ، يخلق لحظات من الجمال وسط وحشية الأحداث، تضمن للفيلم انتباه العين بقدر القلب



Grbavica (2006)



في الحروب التي دارت في يوغوسلافيا السابقة خلال التسعينيات قُتل أكثر من مائة ألف شخص، تم دفن الكثير منهم في مقابر جماعية قبل أن تسنح لعائلاتهم فرصة التعرّف عليهم. وتقول تقارير الأمم المتحدة أن نحو عشرين ألف امرأة تعرضن للاغتصاب بشكل ممنهج في البوسنة. الكاتبة والمخرجة ياسميلا زبانيتش Jasmila Zbanic صنعت فيلماً عاطفياً ومؤثراً عن امرأة تعيش في سراييفو وتناضل مع كوابيس وأسرار هذه الحرب. يطارد الماضي الحاضر في هذه الدراما التي حملت عنوان غرابافيتشا، إحدى ضواحي العاصمة البوسنية سراييفو، التي شهدت أثناء الحرب الأهلية وقائع تعذيب بحق البوسنيين حيث كانت أحد معاقل التعذيب والإغتصاب الصربية سيئة السمعة. قوة الدراما تأتي من تصوير آثار الحرب العرقية على أرواح وأجسام وعقول من تمكنوا من البقاء على قيد الحياة، والذين لم يعودوا أبداً كما في السابق.
يعود الفيلم بعد عشر سنوات من انتهاء الحرب ليحكي قصة "إسما" (ماريانا كارانوفيتش(Mirjana Karanovic  امرأة صلبة في منتصف عمرها وابنتها المتمردة "سارة" ذات الاثنى عشر عاماً المتحمسة للذهاب في رحلة مدرسية مرتقبة. كلفة الرحلة 200 يورو والإبنة تعلم من أحد مدرسيها أن بامكانها الذهاب مجاناً، لأن والدها كان أحد شهداء الحرب ولكن يجب احضار شهادة رسمية تثبت ذلك. حين تخبر سارة أمها بذلك تحجم الأم عن اعطائها الوثيقة المطلوبة وتصرّ على دفع مصاريف الرحلة، هي التي تقوم بعمل نهاري في مصنع للأحذية وعمل ليلي كنادلة في احد النوادي الليلية. لماذا؟
يتحدّانا الفيلم أن ننسى أن رياح الحرب تبقى طويلاً بعد انقضاء المعارك وصمت القنابل فذكريات الناجين تحمل ألافاً من بذور المعاناة والألم. إسما تكشف بعض أسرارها في جدال عنيف مع ابنتها ينتهي بصدمة الإثنتين ولكننا نعرف أن محبتهما وحاجتهما إلى بعضهما البعض ستحملهما إلى مستقبل أفضل.

باقتصاد حكائي وحسّاس كذلك؛ تؤسس زبانيتش فيلمها -الحائز على دب «برلين» الذهبي- على سلسلة من التفاعلات والمواقف البسيطة، بما في ذلك الصداقة الطيبة بين "إسما" و"بيلدا" حارس النادي الليلي، وأحد الناجين من الحرب الذي ترك دراسته الجامعية ويقوم بزيارات منتظمة للمقابر أملاً في العثور على رفات والده الذي فقد في القتال والذي يتفكّر "إذا تذكرت كل شيء ، كنت سأقتل نفسي ". ومع الأداءات التمثيلية الجيدة ترسم المخرجة صورة كاشفة لمجتمع يكافح من أجل الاستمرار في حياة "عادية" والتعامل مع إرث معاناته المؤلمة.





14‏/3‏/2015

مونوكروم الألفية الجديدة (1): خمسة أفلام أمريكية حديثة بالأبيض والأسود



رغم كل ما شهدته صناعة السينما من تكنولوجيا متطورة لا تزال سينما الأبيض والأسود لا تزال قادرة على الحضور. في العام 2012 ذهبت جائزة أوسكار أفضل فيلم إلى "The Artist" المصوّر بالأبيض والأسود، في نفس العام ظهرت خمسة أفلام فنية arthouse بالأبيض والأسود: "The Day He Arrives" للكوري الجنوبي هونج سانج سو، "Keyhole" للكندي جاي مادين، "The Turin Horse" للمجري بيلا تار، "Tabu" للبرتغالي ميجيل جوميز، "The Color Wheel" للأمريكي أليكس روس بيري. الثلاث الأفلام الأخيرة هي فقط التي صوّرت في الأصل على فيلم خام أبيض وأسود. في العام 2013 ظهرت خمسة أفلام أخري مصوّرة بالأبيض والأسود: Frances Ha"" لنواه بامباخ، Nebraska"" لألكسندر باين ،  "Computer Chess" لأندريه بوجلاسكي ، "Much Ado About Nothing" لجوس ويدون، "Jealousy " لفيليب جاريل. الأفلام الأربعة الأولى لمخرجين أمريكيين وأيضاً لم يتم تصويرها على فيلم خام أبيض وأسود. في العام الماضي دخل مخرجون جدد على خط التجربة فظهر "Ida" للبولندي بافل بافليكوفسكي و"ديكور" للمصري أحمد عبد الله.

في أغلب تلك التجارب لا يكون التصوير بالأساس بالأبيض والأسود بل يتم التصوير بالألوان عادة ثم تجري عملية المعالجة للتحويل إلى الأبيض والأسود؛ فما الذي يغري صانعي الأفلام بالعودة إلى اللونين الكلاسيكيين؟ بالتأكيد لكل أسبابه الخاصة: الحنين ربما، أو لمناسبة السياق التاريخي لموضوع الفيلم كما هي الحال في  Tabu أو The Artist، أو رؤية فنية خاصة كما يبرز في ذلك الإتجاه بيلا تار وجاي مادين اللذان اختارا تصوير كلّ أفلامهما بالأبيض والأسود. ولكن هناك من تجذبه امكانيات الوسيط للتمويه بين "الأبيض والأسود" كمرجعية فنية واستخدامه من أجل خصائصه البنوية: قدرته على خلق صورة شبه واقعية أقرب لأحلام اليقظة تتصاعد فيها الظلال، التركيبات، التخططيات كما في "Computer Chess"  و "The Color Wheel". المُشاهِد من جانبه ربما يؤخذ بطريقة الحكي بالأبيض والأسود عن عالم حديث، أو يرى أن الأبيض والأسود يعلي من التأثير الدرامي لفيلم ما. وربما يمتعض البعض من ذلك الاختيار مؤكدين على أنها دليل قِدَم لا إبداع، وتصدّر إحساساً بالفقر الفني!

على العموم سنصحبكم في إطلالة، تحاول أن تكون وافية، على انتاج السينما العالمية من "أفلام الأبيض والأسود" في الألفية الجديدة من خلال عدة مقالات سيكون أولها خاصاً بالسينما الأمريكية وبالأخص السينما الأمريكية المستقلة واستعراض خمسة أفلام اختارت الأبيض والأسود كي تظهر على مشاهديها.



(Computer Chess (2013



قبل أي شيء: مخرج هذا الفيلم هو واحد من المخرجين الكبار الذين لم ينالوا التقدير والاهتمام اللازم من النقاد والمتابعين. أندريه بوجلاسكيAndrew Bujalski هو في طليعة مجددي فن السينما في عصرنا الحالي ولا يسعني سوي حث كل من يريد تجربة سينمائية مغايرة ومحترمة على مشاهدة أفلامه.

الفيلم يبدو مفارقاً لكل الانجاز السينمائي الأمريكي المستقل في السنوات العشرين الأخيرة. في فيلمه الرابع حقق أندريه بوجلاسكي Andrew Bujalski الشيء الكبير، فالفيلم يشكل الخروج الزمني الأول له، وبعد العمل مع فيلم 16 مللي في Mutual Appreciation، تحوّل هنا إلى "أبيض وأسود" عفا عليه الزمن باستخدامه لكاميرا من انتاج السبعينات لا تصوّر سوي بالأبيض والأسود. من على السطح، يبدو الفيلم كتوثيق فضفاض لأحد المؤتمرات التكنولوجية المنعقدة في الاجازة الأسبوعية بحضور عدد من المبرمجين وأوائل المتخصصين في الذكاء الاصطناعي، خصوصاً اولئك الذين يعملون على تطوير برامج شطرنج مستقلة. تدور أحداث الفيلم في بداية الثمانينيات حين كان دور الكمبيوتر في الحياة اليومية مجرد فكرة تبدو واقعية ولكن غير محددة. الثقافة المرتبطة بالاختراع الجديد لم تكون بذلك الشيوع الذي نشهده في أيامنا هذا، بل انحصرت نقاشاتها في دوائر مهووسي التكنولوجيا وأساتذة جامعيين محتملين ورجال أعمال المشاريع المستقبلية ونماذج أخرى غريبة لا يزدهر انتاجها سوى في بيئات مسيطر عليها بعناية. تجتمع تلك التشكيلة من الشخصيات في أحد الفنادق الغريبة صحبة لوحات التحكم الخاصة بهم بينما يقوم سيد الشطرنج البشري بات هندرسون (قام بدوره الناقد الفني جيرالد بيري Gerald Peary) بمراسم استقبال تشريفية.


لا يذهب بوجلاسكي لتلك الفترة الزمنية لعرض سذاجتها أو التمرمغ في الحنين. عوضاً عن ذلك، ينظر الفيلم إلى المشهد التقني قبل أن يصبح جاذباً لأصحاب المليارات. لن نجد استقصاء للماضي بأسباب الحاضر ووسائله backshadowing ولكن اعادة النظر في احتمالات مجهولة وفي هذا الصدد يبدو واضحاً شعور بوجلاسكي بالقرابة من هؤلاء المبرمجين. استخدامه لصورة الفيديو التناظرية القديمة analog يمنحه الفرصة لعرض امكانياتها الجمالية. وبالمثل فبنية الفيلم مع اهتمام المخرج المشتت بين الشخصيات المتناثرة، والاحساس الدائري بالزمن تتلاقي مع الاحساس بشبكية الحبكة بدلاً من خطّيتها وهي التقنية التي يعارض بها بوجلاسكي أسلوب السينمائيين الواقعيين. في جوهر بنيته الدائرية تلك، فان الفيلم يرفض الأحكام اليقينية بشأن الماضي أو استشراف المستقبل، وبوجلاسكي في ذلك يبدو كصانع سينمائي بعقلية فارس قديم يتحسس طريقه في الظلام.






(The Color Wheel (2011




JR، (الشخصية التي تقوم بدورها كارلين ألتمان Carlen Altman)، مذيعة طموحة في العشرينيات من عمرها ولكن بدون موهبة. يوماً ما تطلب من شقيقها العصبي كولين (يقوم بدوره مخرج الفيلم أليكس روس بيري Alex Ross Perry) المساعدة في نقل اغراضها من شقة صديقها السابق، والذي نعرف أنه أستاذها السابق. يعتقد كولين أن JR بائسة ولا تبعث على المتعة ولكنه لا يعترف بأنه على نفس القدر من السوء، وهو العالق في علاقة امتدت لثلاث سنوات مع امرأة تعلن عن كراهيتها له وترفض النوم معه.

على مضض، يصعد كولين إلى سيارة شقيقته ويبدأن رحلة من ضواحي بنسلفانيا إلى بوسطن. وكعادة تلك الأفلام: محطة الوصول ليست مهمة بقدر الأحداث التي ستقع خلال الرحلة نفسها؛ وهذا هو الشيء التقليدي الوحيد في هذا الفيلم.

ينهل الفيلم من عدمية فيليب روث وسخرية جيري لويس المتأخرة، في حكايته عن زوجين شنيعين، أخ وأخت لا يقدمان أي اعتذار عن سلوكهما ويبدوان كما لو كانا على استعداد للاساءة لكل من يقابلهما، ولكن يظلا مثيرين للفضول بطريقة غريبة. مزاحهما المعتمد على سرعة البديهة والاخلاص لعملية إذلال مشترك، يعطي الانطباع بارتجال تمثيلي ولكن في الحقيقة كل ذلك مكتوب باتقان محكم من مؤلفي الفيلم( وهما أيضاً من قاما بالدورين الرئيسيين). فقط عندما يبدو وكأن هاتين الشخصيتين قد أسقطا كل ما يثقل كاهلهما وسمحا لنفسيهما بتصرف يبرز حقيقتهما فانهما يفعلا شيئاً سيجده أغلب المشاهدين مؤسفاً وربما مقززاً.

عوضاً عن حرق الفيلم وحكي تفاصيله، يمكن الاشارة إلى درّة الفيلم: لقطة طويلة تستمر فتنتها طيلة عشر دقائق، يجلس فيها كولين و JR على أريكة ويتحدثان عن لا شيء تقريباً. ولكن بينما تشاهد ذلك، وبينما الكاميرا تتحرك بثبات هاديء، تدرك قيمة تلك الدقائق: إنها أول محادثة صافية نشاهدها في الفيلم وربما في حياتهما أيضاً.


كاميرا شون بريس ويليام  Sean Price William تتنوع حركتها بين الصورة المهتزة والزوم المُركّب واللقطات المتحركة dolly-shot ولكن لا شيء متسرع في هذا الفيلم المكاني بامتياز. أسلوبه الجامح وانعطافاته النغمية ترمينا في قلب رؤيته القاتمة- والمتعاطفة في جوهرها- للحياة والتوق البشري. بجمعه بين الكوميديا والدراما وفكاهة تتراوح بين الهزلية والساخرة والبغيضة، ولعبة حوارية تبدو فيها الكلمات ككرات مطاطية ترتد بين جدران متقابلة؛ The Color Wheel بالتأكيد لا يصلح للجميع ولكن جرأته لا يمكن انكارها. فيلم أليكس روس بيري ذو الميزانية المتقشفة، والذي تم تصويره على فيلم 16 مللي، هو واحد من أقوى وأجرأ الأفلام الأمريكية المستقلة في العقد الأخير: بتحديه لما تم تكريسه من أسلوب وذوق عن الفيلم المستقل وتقديمه إجابة جديدة لسؤال ما الذي يمكن لفيلم مستقل أن يقدمه؟.









(Frances Ha (2012




نواه بامباخ Noah Baumbach، الفتى المدلل للمشهد الأمريكي السينمائي المستقل (أخرج أيضاً The Squid and the Whale و Margot at the Wedding  وكتب للمدلل الآخر ويس أندرسون Wes Anderson فيلمي The Life Aquatic with Steve Zissou و The Fantastic Mr Fox) يتعاون مع ديفا السينما الأمريكية المستقلة جريتا جيرفيج Greta Gerwig (حبيبة المخرج، والتي عملت منذ 2006 في مجموعة كبيرة من الأفلام الصغيرة التي لن تراها أبداً) ليقدما فيلماً من تلك الأفلام التى تترك شعوراً جيداً لدى مشاهدها.

تلعب جرفيج دور فرانسيس، راقصة أو كوريوجرافر محتملة، امرأة شابة تحاول ايجاد المشتبه بهم المعتادين (الحب، الاستقرار المهني، الرضا الابداعي) في نيويورك، المدينة نفسها التي تسكنها فتيات لينا دنهام Lena Dunham. فرانسيس طرف في واحدة من تلك الصداقات الطويلة مع صوفي (ميكي سامنر Mickey Sumner)، والتي تعمل في دار النشر راندوم هاوس Random House. " نحن مثل ثنائي مثلي ولكن لم يعودا يمارسا الجنس". مثل كثير من شخصيات الفيلم، تتحدث الصديقتان بأريحية عن حياتهما الجنسية، والتي تبدو عارضة وغير مقنعة لكلتيهما. يتخيلان مستقبلهما: سيكون هناك "عشاق بدون أطفال" وشهادات فخرية، وبالطبع لا مزيد من المآزق الحياتية.

بشكل ما الفيلم عن مفترقات الطرق التي تضعها الحياة أمامها، وسؤال "ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك؟". عن تجربة الخروج من العشرينيات الخالية من المسئولية والدخول في ثلاثينيات العمر المنذرة بالكثير. بطريقة دائرية، ورغم اهتمام السيدتين الصغيرتين بالرجال حول المدينة، هناك اهتمام بكيف تصبح الصديقة صديقة girlfriend. فرانسيس وصوفي يلتقطان تلك المشاعر من الحب والاثارة والتقارب الخانق والشائك التي تأتي من الوجود في تلك المنطقة من العلاقات الانسانية.


في حوار مع بيتر بوجدانوفيتش Peter Bogdanovich تحدث المخرج عن فوتوغرافيا الفيلم وصعوبة تصوير فيلم بالأبيض والأسود بكاميرا ديجيتال حيث ذكر شيئاً عن أضواء النيون في باريس والتي كانت مبتذلة في النسخة الملونة، ولكن حين حوّل الفيلم إلى الأبيض والأسود ظهرت بصورة مدهشة. بامباخ الذي صوّر فيلمه في نيويورك وسان فرانسيسكو وباريس بدا واضحاً حضور الموجة الفرنسية الجديدة Nouvelle Vague في ذهنه (في أحد المشاهد نلمح على جدران أحد مساكن فرانسيس المؤقتة بوستر L'argent de poche (1976) لفرانسوا تروفو). ولكن ذلك التأثر مقصود وموضوعي وله أسبابه الوجيهة التي تتقاطع مع أعمال مخرجي الموجة الفرنسية: الايقاع (الحركات اللاهثة والوعي الذاتي للشخصيات) والسرد (اندفاع الشباب في البيئات الحضرية) والخشونة التقنية (الكاميرا المستخدمة في تصوير الفيلم تعادل في زمنها الكاميرات التي استخدمها "جودار" و"تروفو" في بدايتهما)، حتى أننا نجد أصداءً لإريك رومير Eric Rohmer  (بالتحديد في اهتمام الفيلم بفكرة الواقع المستقر لشخصيته الرئيسية والذي يتم اختباره بواقع آخر مختلف، وفي النهاية تتم العودة للواقع الأول). مثل تلك الاستيحاءات موجودة على الدوام في أعمال بامباخ ولكنها هنا تتصدّر الواجهة في تحية منعشة للرواد، حملت جرفيج عبئها الأساسي بخفتها وأدائها المتقن، لا ارتجال زائد ولا افراط في التمثيل. هي التي ربما لا تتحصّل على المواصفات الشكلية لنجمات هوليوود المكرّسين، ولكن هناك شيئاً مميزاً بخصوصها: تبدو وكأنها ممثلة أنيقة خارجة من الأربعينيات، الأمر الذي يجعل ذلك الفيلم في بعض الأحيان ساحراً.









(Coffee and Cigarettes (2003




من كان يتخيل أن فيلماً أمريكياً محدود الميزانية يجمّع سلسلة من المحادثات العابرة صحبة فنجان قهوة (أحياناً شاي) وسجائر سيكون واحداً من أفضل الأفلام الكوميدية في مطلع الألفية. جيم جارموش Jim Jarmusch الذي أخرج من قبل ثلاثة أفلام بالأبيض والأسود، استمر طيلة 17 عاما في التقاط أفلاما قصيرة لشخصيات تجمعهم الظروف لاجراء محادثة عابرة و عشوائية(؟) والنتيجة كانت انحرافاً بليغاً للسرد التقليدي. لا، ليس كل مقطع من "قهوة وسجائر" قطعة فنية بديعة ولكن أغلب من نجحت فيهم التوليفة الجارموشية كانت نتيجتها مبهرة.

بعد المقطعين الأولين وأجواء الاسترخاء والنتائج التي لا علاقة لها بالمقدمات، تبدأ خطوط العمل في الاعلان عن نفسها: الإزدواجية، الشهرة، الابدال. وكلما امتد الفيلم فانه يراكم تيماته جنباً إلى جنب مع ابتكاراته البنائية؛ ما يطرح السؤال: كم عدد الأفلام التي يمكن لجارموش أن يصوّرها ويقطّعها لأناس يشربون القهوة في المقاهي والمطاعم؟. إنه حقاً شيء رائع حين تكتشف الكم الهائل من الأفلام التي يمكن أن تخرج من فعل اعتيادي ويومي كهذا

طوال الأنطولوجية الفيلمية، المكونة من احدى عشر مقطعاً، نتابع شخصيات تربطهم صلة ما (رابطة دم، أشياء مشابهة يقومون بها، مصالح مشتركة) ثم يصحبون أضداداً بدون سبب واضح سوى بعض التعسف، والرغبة في العناد والمشاكسة، أو الرغبة في تمييز أنفسهم عن الآخرين. في كل ثنائي نجد أحدهما لطيف وحريص على رضا شريك الطاولة، والآخر متغطرس ويميل للقتال. كثير من متعة الفيلم يكمن في دراسته الحسّية للعالم على نحو تجريدي. في أغلب المقاطع، يقوم جارموش بالقطع على لقطات علوية للطاولة حيث تجلس شخصياته مبرزاً مفرش الطاولة، الشطرنجي الهيئة، في ربط لطيف بين عنوان الفيلم وطريقة تصويره.

كل الشخصيات تركوا حياتهم العادية: توأم في إجازة، ممثلين انجليزيين يلتقيان في لوس أنجلوس حيث الشهرة التي لم يعتادا عليها، نجم مشهور كبيل موراي Bill Murray يعمل كنادل في حانة. رقعة الشطرنج تعمل كفضاء تجريدي مستئصل من الحياة اليومية والعادية التي تحاول القهوة والسجائر أن تعيدنا إليها، حتى حين نتابع شخصيات الفيلم في مناقشة مواضيع تافهة فإن انطباعاً ما يؤكد على الحميمية والانسجام الناتج من اللقاء بين القهوة والسجائر.







(The Man Who Wasn't There (2001


ايد كران (بيلي بوب ثورنتون Billy Bob Thornton في دور حياته) حلّاق، مُدخّن يقوم بعمله بهدوء في سانتا روزا بكاليفورنيا، لا يحادث زبائنه أو في الواقع لا يتحدث مع أي شخص. يعلم بأن زوجته (مشاركة معتادة من فرانسيس مكدورماند Frances McDormand) على علاقة بداف الكبير Big Dave (جيمس جاندولفيني James Gandolfini في دور صغير ولكن رائع)، ويتقبل هذا الوضع. عن طريق الصدفة يقع على فرصة استثمار ويبتزّ عشيق زوجته للحصول على المال اللازم. الباقي معروف: هناك رجل يُقتل وزوجة تدخل السجن.

يسعى الأخوان إيثان وجويل كوينEthan&Joel Coen  لجعل فيلمهما النيو نوار neo-noir فلسفياً بالكثير من الظل الوجودي واستعارة الفلاسفة الألمان، ولكن هناك شيئاً لا يزال مفقوداً: إيد الذي لا يحدث أي تطور درامي في شخصيته حتى نهاية الفيلم، يظل على حالته من الهدوء والصبر وخداع الذات. في الأثناء، يقدّم الأخوان حبكة اضافية بظهور بيردي أبونداس (سكارليت يوهانسون Scarlett Johansson) معجزة البيانو، أو هكذا يعتقد إيد. يأخذها إلى معلم بيانو رفيع والذي يخبره بأنها "تلعب البيانو مثل فتاة لطيفة جداً" ولكن بدون أية عاطفة موسيقية (وهو الأمر الذي سيلاحظه أي مشاهد متذوق من قبل أن تخبره إحدى شخصيات الفيلم). لكن رغم ذلك تبقى نقاط تحسب للفيلم:الأداء المبهر لبيلي ثورنتون وجيمس جاندولفيني، السيناريو الذكي رغم بعض الملل. هو فيلم مثير للاهتمام بتعاليه على الحبكة التقليدية لأفلام النوار ولكن بدون انتعاش.

حتى في أسوأ حالاتهم، لا يكون الكوينز مملين على الاطلاق. فوتوغرافيا روجر ديكنز Roger Deakins الرائعة تبدو نافرة بعض الشيء مع رتابة الايقاع. وربما تكون رؤية سكارلوت يوهانسون المراهقة سبباً كافياً لمشاهدة هذا الفيلم.


8‏/3‏/2015

" Starred Up".. لمّ الشمل وراء القضبان




في العرض الأول للفيلم في الصالات الأمريكية تم توزيع قاموس شامل للمصطلحات العامية المستخدمة في السجون الايرلندية على النقّاد قبل العرض. الفيلم الذي يحتوي الكثير من الكلمات والتعابير المبهمة والتي تستخدم كمجازات لا يفهمها سوي العالمين بدلالاتها لن يمنع مشاهده من الدخول في أجواءه رغم تلك "الخصوصية" الايرلندية لأن المخرج الاسكتلندي ديفيد ماكينزي David Mackenzie يصوّر ثقافة السجن العنيفة بوضوح جارح لن تجعل شيئاً يضيع في الترجمة.

العنوان ربما هو المصطلح الوحيد الذي تودّ معرفته: “Starred up” يشير إلى مجرم مراهق ولكنه جامح وصعب المراس لدرجة ترحيله من سجن "حديثي السن" إلى سجن الكبار. إريك (النجم الواعد جاك أوكونيل Jack O’Connell) هو واحد من هؤلاء المراهقين الذين تحدس بكونهم مثيرين للمشاكل منذ طفولتهم، ملاكم شاب في التاسعة عشر، عصبي وواسع الحيلة؛ وعلى الفور يبدو للمشاهد أن تصرفاته ليست نتيجة كونه سجيناً أو معتاد إجرام ولكن بسبب من تنشئته المضطربة في نظام متصدع. يسير إريك بداخل مجمع سجون يخضع لنظام معقد من اجراءات الحراسة المشددة كما لو كان قد أعدّ نفسه للسجن طيلة حياته لكن من الدقة أن نقول حياته كلها هي من أعددته للسجن. ولو أن للأسرة عملاً تبرع فيه فهو السجن، فوالده نيفيل (بين مندلسون Ben Mendelsohn) "يعيش" في زنزانته التي تقع في الطابق الأسفل من السجن. الأب وابنه لم يلتقيا منذ كان الأخير في الخامسة من عمره.

هذا ليس لم شمل الأسرة السعيدة. لا يتشارك إريك ونيفيل روابط أسرية قوية بقدر حذرهم المتبادل: الوالد الذي يبدو كضابط حاسم في مجتمع السجن يرفض القيام بأي شيء يحول دون وقوع ابنه في أيدي عصابات السجن المتناثرة، إلى أن ينضم إريك لمجموعة العلاج النفسي للسجناء. هنا يبدأ الأب في التعريف بحقيقة علاقتهما. فكرة أنه قد تتم قولبة ابنه من قبل سجناء آخرين (من أجناس أخرى) ليست سوى اعتداء مباشر على ما تبقى من كبرياء نيفيل كأبّ.


اجتذبت السجون والاصلاحيات السينما نظراً للفوضى والخطوط الواضحة في علاقات يمكن بناء الحبكة عليها؛ لذلك ليس سهلاً صنع دراما سجون في فيلم يبدو جديداً كليةً. ولكن " Starred Up " مفعم بالحيوية جزئياً لأن مخرجه انحاز للواقعية أكثر من الحداثة باختياره استعارة بعض التمهيدات من كلاسيكيات الجينر genre إلى أن تكتسب قصته ثقلها بنفسها: أصداء روبير بريسون Robert Bresson وفيلمه A Man Escaped تتردد في عزلة إريك وهياجه المستمر والمدى الذي يحتاجه للبقاء من خلال اعتماده على سلسلة من الايماءات الحذرة. ستيف ماكوين Steve McQueen وفيلمه الأول Hunger يوفر ارتكازاً مناسباً أكثر حداثة وأقرب جغرافياً، ويظهر تأثيره في الصرامة القاسية لتراكيب ماكينزي وتركيزه على وضع عنق الزجاجة الذي يحقق به فورة شعورية لدى المشاهد. كما يمكن النظر للفيلم كاعادة سينمائية -أقل ورعاً ووعظاً- للفيلم الأيرلندي الشهير In the Name of the Father حيث الأب والإبن يصفيّان الأجواء بينهما بالدخول في عراك بالأيدي ثم يقتاد كل منهما إلى زنزانته بوجه تغطيه الدماء ويسخران من المقدرة الجنسية لبعضهما.

ولكن حتى وإن كان الفيلم يدخل لمنطقة معلومة سلفاً، فانك أبداً لا تشعر أنه مستنسخ مع تجنُّبه للرسالة المعتادة والمتكبرة عن فوضى أبناء الأباء السيئين الذين يتلّقفهم مستشاري الطبقة الوسطى و"خبراء" آخرين لتهذيب فوضاهم. مشاهد المجموعة في جلسات العلاج تبدو حقيقية. الفيلم كله يبدو مُسيطر عليه من لحظات البداية الأولى التي تستحضر شعور الوصول للسجن –المسيرة الطويلة حتى وصول الزنزانة، غلق الأبواب وفتحها، سجين جديد يرتب سريره، التحقق من اعدادت المكان الجديد ثم ببساطة انتظار  السنوات التي ستعبره في ذلك المكان-.  بالطبع يشابه الفيلم أخوته من أفلام السجون في تفاصيل معتادة من هجمات أثناء الاستحمام، لضرب الوافد الجديد للسجن في يومه الأول مروراً بمأمور السجن الشرس (وهو ما تتحقق صدقيته هنا حيث عمل مؤلف الفيلم جوناثان آسر Jonathan Asser كمعالج نفسي في أحد سجون لندن). وحتى هنا لا يبدو اللجوء للكليشيه على قدر كبير من السوء، لأن الجو العام الخانق يجعل من تنازل الفيلم لصالح كليشيه سينمائي فرصة رحيمة لدخول بعض الهواء النقي.

إنه من الصعب تجهيز نفسك لمشاهدة تجربة كتلك، ولكن الفيلم يبدو أكثر إثارة بالنظر للرجل الذي صنعه: ديفيد ماكينزي، الذي تناول الايروتيكية العاطلة في فيلمه  Young Adam (2003) ورومانسية مغلّفة بأجواء الهيبيز في Tonight You’re Mine (2011) من دون أن ننسى رومانسية نهاية العالم في Perfect Sense (2011)، يبدو كآخر مخرج قادر على انجاز فيلم كهذا، أو حتى يهتم بالعمل على هكذا قصة. بشكل ما، فإن قصة ذلك الولد الذي يُدفع به إلى الحد الأقصى لسقف امكانياته هي بورتريه ذاتي لذلك المخرج الذي تتفجر طاقاته من خلال سقفه الخاص. والآن، في النهاية، ماكينزي مخرج ناضج يمكن الاطمئنان إلى القول بأنه لن يضطر للعمل على كارثة أخرى لأشتون كارتر Ashton Kutcher.

ومن ناحية أخرى، يتمنى الواحد أن يعاود تعاونه مع الممثل الصاعد جاك أوكونيل في المستقبل. أداء أوكونيل مذهل في تجسيده للشباب المهدر بين جنبات سجن يتنقل عبر طرقاته مثل كوكتيل مولوتوف محترق في معركة ليس فيها فواصل للراحة. مشاهدة إنسانيته المعذبة في صعودها البطيء إلى السطح؛ واحدة من الرحلات الملحمية التي ستراها تدور بين أربعة جدران. ومندلسون كذلك يترابط بشكل جيد مع غريمه الأليف، في تجسيده لنيفيل، المسجون مدى الحياة، الأب الذي يجد شيئاً يعيش لأجله ويرفض أن تضيع الفرصة من بين يديه، ككلب يزبد أمام عظْمته الأخيرة في العالم. يكوّن أوكونيل ومندلسون شراكة ديناميكية يتجاوزها الفيلم بدون داع في فصله الأخيره لصالح تعزيز حضور شرير أساسي villain بشكل مفتعل لتقديم المزيد من الغرماء في حكاية ولد يعادي بطبيعته كل من يلتقيهم. ومع ذلك، ينتهي الفيلم بلكمة قوية أخيرة مع لحظة تلخّص كلّ حنان سيئي الحظ لتجعل ذلك الفيلم جديراً بالمشاهدة.


في الفكرة وتصويرها

في أفلام ماكينزي تأصيل لفكرة الحرية: شخصياته تتصرّف على نحو غير متوقع، وغالباً ما يغيّرون مسار حياتهم لمجرد نزوة، إضافة إلى حرية كاميرته في حركتها  والأداءات البدنية لممثليه تحيلنا إلى عالم يفيض بالاحتمالات. يمكن للمرء بسهولة تصوّر فيلم سجون يخرجه ماكينزي: منمّق، مجهد، غير مقنع. ولكن " Starred Up " مميز جداً كدراسة شخصية عن معنى الحياة وراء القضبان. واحد من مواضيع ماكينزي الدائمة هو كيف تحدد طريقة عيش الانسان استخدامه لجسده. في فيلمنا يطبق تلك الرؤية على السجناء طويلي المدة بشكل ما، وتصوّرهم كمسوخ حديثة: نصف إنسان، نصف آلة.

ومع ذلك، رؤية ماكينزي لا تطغي كلية على العمل، لأن مؤلفه جوناثان آسر يستند على وقائع شخصية اختبرها أثناء عمله السابق. آسر  الذي كتب سيناريو الفيلم ليصبح بورتريهاً رسمياً وموثوقاً للحياة داخل سجن بريطاني، كان متوجداً أثناء تصوير الفيلم لمتابعة كل تفصيلة للتأكد من دقة النقل والتنفيذ. بالنظر للفيلم كوثيقة درامية docudrama عن تحديات التنشئة الاجتماعية للمدانين بالعنف، فإنه ينجح في ذلك بأقل قدر من السنتمنتالية والابتذال الرخيص للمشاعر. في الواقع إن إريك، البطل أو البطل الضد، يقاوم ذلك التعاطف المحتمل طيلة النصف الأول من الفيلم إلى أن يتعرّف إلى أوليفر (أداء جيد من روبرت فريند Rupert Friend)، معالج السجن الذي يتطوّع بوقته وجهده لمساعدة مجموعة من نزلاء السجن ذوي النزعة التدميرية. ولكن حتى ذلك التغيّر لا يحدث فوراً كالحب من أول نظرة ولكن بعد العروج على بعض الأسئلة الشائكة التي يلقيها الفيلم في وجوههنا، فإريك الذي قضى أغلب حياته في السجن لا يعتقد بامكانية اعادة تأهيله للاندماج في المجتمع. كما أن أوليفر لن يعدم تساؤلاً استنكارياً عن جدوى ما يفعله والفائدة التي يتحصّل عليها هو شخصياً؟

آسر كذلك لا يكشف عن علاقة إريك ونيفيل إلا بعد مرور نصف الساعة، وحتى الدقيقة العشرين نحن لا نعرف شيئاً عن خلفية إريك. حتى تلك اللحظة، يحاول توريط المشاهد في تجربة الحياة داخل سجن يخضع لحراسة مشددة، حيث التهديد الدائم بالعنف والخزي يسحق أي احساس بالماضي أو المستقبل. بعد ثواني فقط من بداية الفيلم، يتم تسليم إريك، تعريته من قبل الحرّاس، يخضع لتفتيش جوفي cavity في مشهد يستدعي المزارعين الذين يتفحصّون ماشيتهم. المخرج من ناحيته، يعرض تلك الأحداث في زمنها الحقيقي مؤكداً على اللا انسانية التي يقدم إريك على اختبارها بشكل دوري. الكشف عن نسبه وأعوامه التي قضاها في دار الرعاية (هناك حيث تم اغتصابه على يد أحد الحرّاس)، قد لا يغيّر من انطباعنا المبدئي عنه ولكنه يظلّ مدهشاً؛ لأن المشاهد الأولى تجعل من الصعب تصديق أن إريك قد اختبر شيئاً مما يمكن وصفه بـ"طفولة".

بعد لقطات مختصرة ومحددة تنقل للمشاهد ذكاء وتخطيط إريك بعقلية تراهن على النجاة من أجل البقاء في محيط يسوده العنف، يطلعنا ماكينزي على شجاره الدموي الأول والذي جاء بطريق الخطأ مع أحد السجناء ما يستدعي في النهاية  الاستعانة بفرقة لمكافحة الشغب لمحاصرته ويرفض إريك الاستسلام لينقض على أحد الحرّاس قابضاً على خصيتيه بين أسنانه. كعادته يخلق ماكينزي احساساً بالزخم النشط: يقطع بخفة من تفصيل صادم إلى آخر ، كاميرا رشيقة تتحرك لمتابعة الشخصيات من غرفة إلى غرفة. حتى استخدامه للّون يضيف إلى التأثير البصري للفيلم: تستخدم أفلام السجون عادة اللونين الرمادي والأزرق للزنازين، ولكن ماكينزي يستخدم اللونين الأصفر والبرتقالي، وفي بعض المشاهد المتوترة يستعين بالاضاءة الحمراء الداكنة، أما الغرفة التي يجتمع فيها أوليفر مع المجموعة فقد طليت بظلال خضراء باهتة. ونتيجة لذلك فإن الحالات الشعورية الحادة للسجناء تبدو ملموسة تقريباً.


العنف هو جزء من الواقع اليومي للسجن ولا يختلف في ذلك عن الكلام. حياة السجناء وسط العنف لفترة طويلة تجعلهم مستعدين للقتال في أية لحظة. إريك يبدو كأنه لا يعلم متى يجب عليه ألا يقاتل وماكينزي يلتقط ذلك الخيط ويصله باللغة الجسدية لممثله دافعاً الأداء البدني لصدارة الصورة وبمثل ذلك التفصيل فإن الفيلم– تقريباً-  يقترح في مشاهده القتالية باليها متوحشاً.  ورغم أن البعض قد يميل لبناء أكثر قسوة للبطل مثل Bronson (2008) للمخرج المبالغ في تقديره نيكولاس فيندنج ريفن Nicolas Winding Refn ، فان ماكينزي لا يكره بطله بل يضيف لشخصيته أبعاداً تبعد عنه النمطية، فهو يعرف كيف يكون محترماً ولبقاً حين يستدعي الأمر ذلك.

في النهاية، لحظات الفيلم الرائعة ربما تكون هي تلك الهشاشة الجسدية التي تبرز مثل ومضات من اللون في فيلم مصوّر بالأبيض والأسود: متوالية قصيرة ومفاجئة لإريك وحيداً في زنزانته، يقفز ليلمس السقف أو يصنع وجوهاً مضحكة لتسلية نفسه. تلك اللحظات النادرة تمهّد لتحوّل الفيلم العاطفي في المشهد قبل الأخير وفيه يتصالح إريك ونيفيل أخيراً (ولكن ذلك يحدث وهم على وشك الانفصال من جديد) يمسدّان رأسي بعضهما بلطف بدلاً من الاحتضان بالأيدي المكبلّة خلف ظهريهما. للمفارقة، الصورة تستحضر أم أحد الحيوانات تداعب صغيرها، وتظهر عودة الأب والابن لاستصلاح علاقتهما حاجتهما للحب love، والذي للمفارقة أيضاً هو الاسم الثاني لكل منهما.

بينما يعطي نص آسر بنية درامية محكمة للعنف المتفشي في السجن فإن اخراج ماكينزي ينبهنا إلى الوثوق بتلقائية الحياة حيث كل البشر قادرين على تغيير حياتهم أينما كانوا.


الفيلم: Starred Up
المخرج: David Mackenzie
إنتاج: 2013