2‏/9‏/2015

"Results"... كوميديا رومانسية لنهاية الأسبوع


" Results" الفيلم الأكثر قبولًا -من الناحية الجماهيرية- لمؤلفه ومخرجه إلى الآن. كوميديا رومانسية تلبس رداء سينما المينستريم (mainstream) حول مدرّبيْن شخصيين وعميل فاحش الثراء يدخل فيما بينهما. الإختصار الذي يبدو كقصّة معتادة، هو مقدمة ذلك الفيلم عن بالغين تائهين مثل المراهقين ولكن في تلك الوحدة الخاصة التي تأتي من معرفة من أنت دون معرفة ما تريده تحديدًا.
يدور الفيلم في وحول مدينة أوستن. صالة رياضية يملكها مدّرب شخصي ومعلّم لياقة يدعي تريفور (جاي بيرسGuy Pearce /). يتعثر في طريقه بالمليونير حديثًا والمطلّق حديثًا كذلك والقادم مؤخرًا من نيويورك، دان (كيفن كوريجان/ Kevin Corrigan) الذي يريد حصصًا تدريبية "لتقوية جسده كي يصبح قادرًا على العراك والدفاع عن نفسه" على حدّ تعبيره. يعيّن له تريفور واحدة من مدرّباته الأكثر عدوانية -وجمالا كذلك- كات (كوبي سمولدرز/ Cobie Smulders) ولكن أثناء التدريبات التي تتمّ في منزل دان الراقي، يبدو المتدرب الثري أكثر اهتمامًا بفكرة الرفقة من حصوله على مظهر قوي. حين يدعوها لتدخين الحشيش معه تفاجيء نفسها –والمشاهدين كذلك- بجلوسها على طاولة المطبح والتدخين من غليونه. يعتقد دان أن تلك رومانسية وهي من جانبها لا تعرف ما تفعله بالضبط، وتسير الأمور على ذلك النحو من الهزلية حتي يتقدّم تريفور لتأديب دان لتجرّأه على كات ولكن في نهاية المطاف يجد نفسه صديقا له. وبينما نحن نشاهد لا نعرف أين ستذهب تلك الحكاية، وهذا جزء من بهجة الفيلم: إنه مكتوب بجمال ولكن من دون إتباع أي سكريبت واضح.


طريق جانبي مليء بالمفاجآت

 "Results" هو الفيلم الروائي الخامس لمخرجه أندريه بوdالسكي/ Andrew Bujalski. التمثيل الهاوي والعاطفية الخافتة لباكورته الإخراجية "Funny Ha" في 2002 و "Mutual Appreciation" في 2005 أشّرا على بزوغ سينمائي متميّز، ولكن مخرجين آخرين (أبرزهم جو سوانبرج والأخوين جاي ومارك دوبلاس) كانا يصنعان أعمالًا مشابهة  فيها الممثلين الهواة والجمود السردي الذي يبدو للوهلة الأولى سطحيًا والندرة التكنيكية التي تندمج في أسلوب الفيلم: أو باختصار ما تمّ تسميته مامبل كور (mumblecore). هذا الأسلوب لم يكن جديدًا تمامًا. إنه أشبه بشعيرة جيليّة لشباب إختار  رفع شعار "قبل أن نعيش، سوف نلهو!" ولكن قليل من هذا اللعب قطع شوطًا طويلًا في أفلام تتراوح بين معاداة التجريبية والتجريد الفارغ.


الآن بويالسكي في عامه الـ37، وبسهولة يمكن التأكيد على أنه أكثر أبناء ذلك التيار موهبة (فيلمه السابق " Computer Chess" قطعة من السحر البنائي الخالص). مع السنّ تأتي الخبرة ومثل سوانبرج والدوبلاسيز فإن بويالسكي يسمح لتلك الخبرة بصبغ تجربته السينمائية. بويالسكي ينتمي لفصيلة نادرة من المخرجين الباروكيين والمهتمين بالتمثيل كذلك، شكلاني ومخرج مُمثّل (actor's director) في نفس الوقت. في "Computer Chess" الشكلانية تطغى على العمل ولكن في فيلمه "Beeswax" وكذلك في "نتائج"، الجمالية تُعلي من أداء الممثلين والعكس بالعكس. مثل أفلام سوانبرج الأخيرة، يقدّم "نتائج" نموذجًا لتحديث الكوميديا الرومانسية، ليس فقط فيما يتعلّق باللمسة الدراماتيكية المضافة ولكن في التدليل على ديمقراطية تزدهر في ذلك النوع السينمائي. خيارات الصورة لدي بويالسكي لم تكن أبدًا مكرّرة حيث فضّل اللقطات المتوسطة والطويلة على عكس محترفي الكوميديا الرومانسية الذين ينحازون للقطات المقرّبة المتقطعة في إضاءة بيضاء متوهّجة. هناك أهمية رمزية لذلك التمايز فبويالسكي لم يكن أبدًا غير واعٍ بأيكيولوجية شخصياته، بينما متعهّدي الرومانسية يحتفون باغلاق الدائرة على ما يوافقهم فقط مبعدين أي شيء مخالف لهواهم الشخصي أو لا يؤكد رؤيتهم لأنفسهم. الفيلم مضحك وحيوي بحيث يأخذ المشاهد وقتًا لتعريفه كـ "كوميديا مُحدّثة عن لمّ الشمل" مع كوريجان الذي يفترض نسخة أكثر جنونًا من دور ربما كان يأخذه ممثل مثل رالف بيلامي/ Ralph Bellamy، والذي يعمل على حثّ البطلة وإلهامها لجمع شملها مع الرجل الذي يقف أمامها بالضبط والذي شطبته من حياتها خوفًا مما يستثيره في نفسها.


 "نتائج" هو فيلم بويالسكي الأوّل مع ممثلين محترفين ويمكننا إعتباره شبيهًا بالحصول على ترسانة من الأدوات السينمائية بعد العمل لسنوات بأقل القليل في نفس المجال. في الحقيقة إن بويالسكي يفعل العجائب مع الهواة، وبما أنهم مبهمين مثل الشخصيات التي يؤدّونها فإن العوالم التي بناها حولهم امتلكت وهم الشفافية. بيرس وكوريجان وسمولدرز والبقية سمحوا للمخرج الوصول إلى مستوى آخر في عمليته. أيًا من الأدوار الرئيسية ليس سهلًا: سمولدرز تلاقت تمامًا مع انطواء شخصيتها وثقتها وغضبها بدون أن تلبس قناعًا وحشيًا مثلًا، وبدلا من أن تذهب إلى "العمق" جعلت الدور مضحكًا على نحو غير متوقع وغامضًا في كل الأحوال.
كوريجان- في الوقت ذاته-  مثّل صدمة حقيقية: كممثل هو في آتون السينما المستقلة الأمريكية وأحد الممثلين المعتادين في أفلامها، ولكن لم يكن أداؤه قويًا بنفس ما ظهر عليه في الفيلم. بشعره الخفيف ولكنته الإقليمية عادة ما يتقمّص أدور الخاسرين (losers). وهذا الفيلم واحد من قلة يمكن اعتباره فيها رابحًا. وهذا الفيلم أيضًا هو أفضل أفلام بيرس كرجل جذاب ويتمتع باللياقة البدينة حيث أعطى الدور قدرًا مدهشًا من الباطنية التي تؤمن بها شخصيته وشيئًا خاصًا قريبًا من لكنته الأسترالية.
حتى مع شخصيات مكتئبة ومُتيّمة وغريبة الأطوار مثلما هو الحال في الفيلم، فالممثلين يعطون الجمل الحوارية ولقطات ردّ الفعل سطوعًا وحدّة (هناك تلك الشخصية: المحامي العقاري بول (جيوفاني ريبيسي/ Giovanni Ripisi) الماكر بطرافة والمخمور/المنتشي على الدوام والذي يبدو دوره كسخرية ذاتية من فكرة الـ" mumblecore")، يجلبون إلى الحياة ذلك الحسّ الفكاهي لدي بويالسكي. الفيلم يبدو ككوميديا تجارية (تم توزيع الفيلم بواسطة شركة ماجنوليا Magnolia) ولكنه يعمل بشكل حصري وفقًا لقواعد مخرجه. فهو مبني كلّية حول السلوك والقرارات. إذا لم يستطع دان الايقاع بـ"كات"، يفكر أن تريفور لا بد له أن يكون شجاعًا ليصارحها بحبّه. يبدو ذلك مبتذلًا ولكن المُشاهد سيفهم – جزئيا- تردّد تريفور، فهو تعوّد على أن يكون على طبيعته خاليًا من المسئوليات العاطفية (كلبه هو رفيق نومه)، والإلتزام مخيف بالطبع كما يعلم الجميع خصوصًا إذا كان تجاه شخص قادر على إخافتك في داخل عقلك مثلما تفعل كات أحيانًا.


كذلك يذهب بويالسكي بانتباهه إلى المال وسلطته، برؤيته بيزنس صغير مثل إنتاج فيلم سينمائي كمسألة درامية كوميدية تقوم على الهويّات الشخصية (personalities). يأتي إلى الساحة بشخصيات مُتفقّهة تُنكّه المغامرة الفيلمية وتعطيها حيويتها بينما يراعي التفاصيل الدقيقة التي تصنعها تلك الحيوية مثل كيف تصنع الصداقات الجديدة، وكيف تحصل على قنوات الكيبل (cable TV)، بنفس مراعاته للأثيرية التي تأتي بها نتائج الإتصالات الحميمة.
الفيلم يركّز على التدريب البدني كاستعارة للعمل والمخاطرة المتأصّلة في إتصالات شخصية محددة. سيناريو بويالسكي المتقشّف بأناقة لا يقول تلك الفكرة أبدًا بصوتٍ عالٍ، ولكن من الواضح أن اللياقة تمثّل لشخصيات الفيلم وسيلة للوصول لشيء ما ملموس –حرفيًا- كردّ فعل على ثقافة الانترنت التي خلّفت وراءها الكثيرين متشرنقين في ذواتهم المصنوعة بدقّة وجاهلين بكيفية التعامل مع الناس في الحياة اليومية. ربما هذا هو الفيلم الأمريكي الأول منذ " Broadcast News" للمخرج جيمس بروكس/ James L. Brooks الذي يحاول تقديم أفلمة نفسية للمناخات العاطفية والتوافقات الغير ملائمة بين ثلاث شخصيات قوية. مثل بروكس، يعتقد بويالسكي أن عملنا يحدّدنا جزئيًا (الشباب في عمليه الأوّلين كانوا بلا عمل وهو ما يشير إلى نقص في تعريفهم) ولكن براغماتية بويالسكي تميل أكثر نحو التفاؤل.



بويالسكي تحت سماء المينستريم

نعرف جميعا ما يحدث حين تعطي فأرا كعكة ولكن ماذا عن إعطاء متشرّد بعض المال؟. كيف سيتغيّر ذلك الشخص؟ وكيف ستتغير رؤيته للعالم؟ والأهم: ما الذي سيفعله بالمال؟
أندرو بويالسكي سأل تلك الأسئلة لإحدى الشخصيات الرئيسية في فيلمه الأخير وكذلك يمكننا سؤاله هو أيضا. بالرغم من من رفضه الشديد لتنصيبه "عرّابًا للمامبل كور" فإنه ما من شك أن أفلامه السابقة أُنجزت بأقل قدر ممكن من المادّيات وإحترافية الممثلين. "نتائج" بالتالي فريد في لائحة أفلامه لأسباب واضحة منذ الثانية التي نرى فيها كيفن كوريجان وجاي بيرس وكوبي سمولدرز كممثلين رئيسيين. نعم أحدهم أعطي المتشرّد (سينمائيًا أعني) بعض المال وكنتيجة لذلك، صوّر كوميديا رومانسية على الديجيتال -بدلًا من الـ 16 مللي أو الفيديو- وجاء بممثلين من تلك العروض التليفزيونية ذات النصف ساعة من نوعية ."How I Met Your Mother"  ولكن مثلما لا يغيّر المال من دان –كثيرا على الأقل- فإن موهبة بويالسكي الهائلة لا تزال مزدهرة تحت سماء النجاح المينستريمي (mainstream) (ربما من المبكر الاعلان عن ذلك كأمر واقع ولكن هل سيكون ذلك سيئًا إذا ما حدث؟). الرجل الذي فعل" Computer Chess" قبل 4 سنوات، عاد وأثبت أن بامكانه عمل فيلم جيّد عن أي شيء وفي أي شكل. بعد أن يرث المتشرد السابق ذكره (دان وليس بويالسكي) كمية هائلة من المال من والدته الراحلة، يتمشّي إلى إحدى صالات اللياقة  البدنية ويستعلم عن تدريب شخصي. كات المدربة المهووسة باللياقة كفكرة والتي أيضا تعتبر خاسرة بالتعريف الأمريكي (loser) تأخذه كعميل مثل غيره وسرعان ما تصبح موضوعا لتأثيره. تريفور يملك الصالة الرياضية وفي السابق كان شبه صديق حميم لكات قبل أن يصبح أحد الأصدقاء المقرّبين لدان. ما يبدأ كحكاية قديمة عن الهوى بلا أمل سرعان ما يتحوّل إلى مثلث حبّ كلاسيكي والذي يصبح لاحقًا شراكة أعمال غريبة ينتج عنها حبٌّ حقيقي. (هل هذه هي النتائج مستر بويالسكي؟).


 أداء الممثلين وإدارة بويالسكي لهم هو ما يظهر هنا، و"الكيمياء" بينهم هي ما صنعت الفيلم. بويالسكي قال يومًا أن دافعه الأول للفيلم كان ضمّ كوريجان وبيرس في فيلم واحد، لذا ليس من المستغرب أن تفاعلاهما يبدو بدون مجهود تقريبًا. المدهش أن كوريجان لا يلعب دوره كما هو  في كتالوج تلك النوعية من الأفلام ويحتفظ هو وبيرس بلكنتهما رغم أن الفيلم يدور في تكساس! ورغم أنه ليس مرتجلًا، فإن هذا الجانب من الفيلم يجعله أكثر طبيعية. سمولدرز أيضا مثيرة للإلهام حيث لعبت باقتدار دور المرأة المرتبكة والباحثة عن شاطيء هاديء لحياتها قبل دخول عِقدها الثالث. في كثير من الشبه بالقصر  الخالي الذي إشتراه دان بثروته المفاجئة، فإن الفيلم يبدو في البداية كساندويتش فقط خالٍ من الحشو ولكن مع نهايته نكتشف أنه مليء بالفكاهة والتسلية والحبّ و...فتيات السكن الجامعي.
بالإجمال، الفيلم عن البهجات الغير متوقعة للقاء أحدهم لا يبدو –في البداية- مثلك والذي تكتشف لاحقًا أنه ينظر للعالم من نفس زاويتك. بويالسكي -كفنّان أصيل- يحترم جميع شخصياته ويظهر ذلك في حركية دافعة للحدث الدرامي مقدّمًة يوتوبيا من ترابط العلاقات. "نتائج" هو تلك الكوميديا الرومانسية النادرة التي تعطي الأمل بدون اللجوء إلى حلول رخيصة أو مشاهد مبتذلة تعلّق لافتة مؤقتة مفادها أنها "تجعل العالم مكانًا أفضل".

الفيلم: Results
تأليف وإخراج: Andrew Bujalski
إنتاج: 2015

نٌشر في التقرير الإلكترونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق