30‏/3‏/2015

جروح مفتوحة: خمسة أفلام عن الحروب الأهلية

                                                                        من الحرب الأهلية اللبنانية 

في أحد أيام العام 1980، أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، قُتلت عائلة "ديجول عيد" أمام عينيه. الجريمة الفظيعة، التي شهدت مثلها مئات آلاف العائلات أثناء سنوات الحرب الأهلية الخمسة عشر، ترسّبت في عقل الطفل الذي رأى القاتل وحفظ صورته بداخله. بعد عشر سنوات من ذلك هاجر عيد الى فرنسا كي يدرس السينما، وفي 2007 وثّق مأساته العائلية في فيلم 'شو صار؟'. في أثناء تصوير أحد المشاهد، يصطدم عيد بالقاتل. لا يتشوّش عيد ويسأله: 'أتذكرني؟'، القاتل لن يتعرّف بالطبع على طفل في العاشرة. 'أنت قتلت أمي'، يقول له عيد.
ذكريات الحرب الأهلية موضوع حساس للغاية في لبنان. للذكريات طابع فتاك، فهي من شأنها في كل لحظة أن تعود لتنكأ الجراح التي لم تندمل بعد. وفي تاريخ السينما العربية، يحتل الإنتاج السينمائي المتعلق بالحرب اللبنانية والمسمّى اختصاراً «سينما الحرب» مكانة أساسية، إذ من المعروف أن ولادة هذه السينما مع اندلاع الحرب في لبنان كانت إيذاناً بولادة ما للسينما اللبنانية نفسها.
وفي حروب القرن العشرين لقى ما لا يقل عن 43 مليون من العسكريين حتفهم وأكثر من ذلك العدد من المدنيين حيث تشير المصادر التاريخية إلى سقوط ما يقارب 52 مليون من المدنيين. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الناجين من الحروب هم بطريقة ما خسائر صامتة جراء الصراعات العسكرية؛ بحملهم الكثير من آلام وأحزان الخسارة لسنوات طويلة. وربما يحاولون الحفاظ على العنف الذي شهدوه مختبئاً بداخلهم، خوفاً من التعاطي مع الماضي وجروحه الجسدية والنفسية.

 لكن تظل الصراعات الأهلية هي الأصعب للغاية بالنسبة للناجين الذين يشاهدون انهيار الحضارة الإنسانية والانزلاق السريع والخطير نحو عنف يغذّيه الخوف والطمع وجنون العظمة، وثمة اتفاق عام على أن الحروب الأهلية تحقق أعلى معدلات الجرائم الجماعية بحق البشرية، والسينما عندما تنتهي حرب أهلية في مكان ما من العالم تجد فيها مواد لإنتاج أفلام عن تلك الحرب وتصوير بشاعتها ومدى الجرائم التي ارتكبت فيها وآثارها اللاحقة على المجتمع الذي وقعت فيه وما أكثر الأمثلة في عالمنا الموعود بالقادة الدمويين.


  هنا نستعرض خمسة أفلام تناولت الحروب الأهلية ليس من بينها أي أفلام عربية، ولكن يمكنكم مشاهدة هذا الفيلم القصير عن الثورة السورية

The Travelling Players (1975)



الفيلم الذي تم إنجازه تحت حكم العسكر، يحكي براديكالية لا تنقصها العاطفة متاهة السياسة اليونانية حول مأساة الحرب الأهلية من خلال أعضاء فرقة مسرحية جوّالة تجوب اليونان لتعرض مسرحية من أواخر القرن التاسع عشر بعنوان "غولفو الراعية".
تدور الأحداث بين عامي 1939 و1952: تاريخان يرقمان ذكرى بدء الحرب العالمية الثانية، وإقامة الانتخابات الرئاسية التي مهّدت لانتهاء الحرب الأهلية اليونانية ورسّخت حكم العسكر الديكتاتوري في البلاد. وتُرى كسلسلة من الأحداث الفردية -غالباً ما يتعذّر تفسيرها- مذيّلة بمونولوجات وأغانٍ وشعارات كتبت على الجدران. يكشف الفيلم تلك الفترة المضطربة بالتركيز على الممثلين الذين قضوا تلك السنوات الأربعة عشر في التجوال على مقاطعات ومدن وقرى اليونان، يؤدون في ظروف رثة على نحو متزايد ميلودراما لم يتمكنّوا يوماً من عرضها كاملة، بينما بقي الخروف الساكن المرسوم على ظهر ملابسهم محدقاً في أجيال سُفكت دماؤها وعاينت الدمار.
هذه المجموعة الحزينة والرثة، والجائعة أحياناً، تقوم علاقتهم على روابط عائلية تعود لبيت أتريوس (House of Atreus) وتتنوع ميولهم السياسية بين المتعاون مع النازية (Aegisthus) والإنتهازي (Chrysothemis) والقومي اليوناني (Agamemnon) والرافض للسياسة (Clytemnestra) واليساري المثالي (Electra) والشيوعي المقاتل (Orestes). يملؤون أدوار أمثالهم الأسطوريين من القائد الهائم، الزوجة الخائنة، الإبن الخائن أو المنتقم. وفي تجوالهم وقت الحرب بتناقضاتها، فإنهم يبدؤون بطريقة غير واعية في إعادة تمثيل دورة أسخيلوس (Aeschylus) المأساوية كما حفظتها الميثولوجيا اليونانية.

يعطي المخرج ثيو أنجيلوبولوس أبعاداً أسطورية لفيلمه ومن دون التنازل للسرد السينمائي التقليدي؛ يقدّم رؤية ملحمية للتاريخ اليوناني باستخدامه لمحاولات الفرقة الجوّالة لعرض المسرحية كورقة للعبور إلى الاحتلال النازي وتداعياته، الحرب الأهلية بين الملكيين والماركسيين التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وخطر الإستبداد السياسي بشكل عام. هناك تأثيرات ماركسية، فرويدية، وبريختية واضحة في الفيلم ولكن أنجيلوبولوس ينجزه بأسلوبه المعتاد الذي سيطوّره على مدار مسيرته اللاحقة : لقطات طويلة وتجنّب شبه تام للقطات المقرّبة Close-up لصالح تحريك الكاميرا خلال سلسلة الرقصات الموحية بحيث يصبح الحدث في الأنحاء بدلاً من تصدّره الصورة، إبقاء مشاهد "الزمن الضعيف" التي تقع بين الحدث والآخر وفاءً لفكرة "الصورة الكبيرة" وتجنباً للتقطيع. يقدّم فيلماً مربكاً وبارداً أكثر منه عاطفياً ورومانتيكياً، وتماماً مثل "بريخت Brecht " – حيث الهدف ليس تماهي الجمهور مع الحدث بل خلق وعي ذاتي بالجدل الدائر- فإن أنجيلوبولوس لا يهدأ في محاولته لتصوير تلك الدوامة التاريخية التي تتطلّب الانتباه.





Underground (1995)

"ذات يوم كانت هناك بلاد، وكانت عاصمتها بلغراد".
بهذه العبارة صدّر المخرج الصربي إمير كوستوريتسا Emir Kusturica فيلمه هذا: تراجيكوميدي مذهلة وحكاية ملحمية عن الحب والصداقة والخيانة على خلفية تاريخية معقّدة ليوغوسلافيا السابقة. يتابع الفيلم في المسافة بين عامي 1941 حتى 1992 قصة اثنين من النصّابين الظرفاء: ماركو(Predrag Manojlovic)، ذو الكاريزما الساحرة الذي يتلاعب بكل شخص في متناول يده، وبلاكي (Lazar Ristovski) الأحمق ولكن المحبوب، وثالث مثلث الحب الشهير هي ناتاليا (Mirjana Jokovic)، ممثلة سهلة الانقياد يعشقها الصديقان. يتورّط الثلاثة في عالم من الصراع والمكر وخداع الذات - ولكن هناك أيضا لحظات من الحنان والحب – في إستعارة رمزية للبلقان وحيويته وفكاهته ورغبته في الحياة.
يعمل الصديقان في السوق السوداء، لكنّ مع بدء الاحتلال النازي للبلاد في العام 1941، يبدأن ببيع الأسلحة للمقاومة، فتبدأ ملاحقتهما من المخابرات الألمانية (Gestapo). فيلجئان مع عائلتيهما وعددٍ من المقاومين، إلى ملجأٍ تحت الأرض، يحولانه إلى مصنع للذخيرة. وبينما يتعافى "بلاكي" من إصابته على يد الجستابو، يسرق "ماركو" عشيقته ناتاليا. ماركو هو الوحيد من بينهم الذي يخرج من القبو وبالتالي هو رابطهم الوحيد بالعالم الخارجي وتطورات الحرب على الألمان (؟). بعد عشرين عاما، بلاكي والآخرون ما زالوا يختبئون تحت الأرض في كناية ساخرة عن تقوقع يوغوسلافيا الشيوعية تحت حكم تيتو، ومع دوران الزمن يزداد نفوذ ماركو من تاجر سلاح كبير إلى سياسي نافذ إلى أن يتغيّر الحال مع بداية التسعينيات وسقوط الإتحاد السوفيتي.

بتيمات مشابهة في غرابتها تتناثر بطول الفيلم الذي يمتد لحوالي الساعات الثلاث؛ ينجز كوستارتسا فيلماً عاصفاً ومتخماً بالكوميديا السوداء وكأنها الحلَ الأنسب لمقاربة جنون الصراعات في يوغوسلافيا السابقة. الكثير من الفانتازيا ولكن الشخصيات واقعية جداً رغم غرابتها. والحس الهزلي لا يغيب عن الفيلم حتى في أشد لحظاته حزناً ودموية؛ فبلاكي الروح الهائمة المُحبة ذو القدرة المذهلة على الاحتفال، عادة ما تصحبه فرقة موسيقية كاملة أينما ذهب. المخرج المولع بالموسيقى سيترك لها مهمة حث فيلمه على الدخول في إيقاعاتها الحيوية والنابضة بالحياة.
"تحت الأرض" هجاء احتفالي، ساخر، مرح لتاريخ ذلك البلد المتخم بالأحداث الكبيرة، ورؤية متمردة للجموح البشري في مواجهة القمع. الفيلم الذي يعتبره الكثيرون أفضل أفلام أمير كوستوريكا، حصل على سعفة كان الذهبية لعام 1995. 




The Wind That Shakes the Barley (2006)

"..وينكسر قلبي في كلّ مرّة أسمع فيها الريح التي تهزّ الشعير" تقول كلمات أغنية ذائعة في القرن التاسع العشر، تحكي عن شابٍ ثائر يستعد للتضحية بحبه، والانضمام للثورة الأيرلندية على البريطانيين في العام 1798، الأغنية التي أضحت بمثابة نداء وطني لحث الأيرلنديين على الكفاح من أجل الاستقلال، قرّر المخرج البريطاني (أو الأيرلندي) كين لوتش Ken Loach العودة إليها ليحكي عن ثورة أيرلندية أيضاً، لكن في زمنٍ أخر.
سيليان مورفي Cillian Murphy وبادريك ديلاني Padraic Delaney لعبا دور شقيقين (دميان وتيدي) ينضويان تحت لواء الجيش الجمهوري الأيرلندي للقتال من أجل الاستقلال عن بريطانيا في العام 1919، بعد أن شهدا مقتل صديق على يد عصابات انجليزية كانت تقوم بزيارات غير رحيمة بقريتهم الرعوية. يحتويك الفيلم على الفور ولا يفلتك من بين يديه (مذكّراً بقوة وتأثير الأفلام في زمن الحرب عندما تجتمع عناصر نجاحها). برفضه للوقوع في فخّ نظرة رومانسية لمثالية الشباب والاستعاضة بالقاء الضوء على الكيفية التي تؤدي إلى أخطاء مرعبة في الحكم على الأمور، فإن "لوتش" يأخذ حرب عصابات تحريرية من قبل ما يقارب المائة عام ويقدّمها بكامل قلقها الطازج كأخبار الصراعات التي تأتينا بها نشرات الأخبار اليومية. في لمحة إخراجية متمكنة يقوم لوتش، اليساري الملتزم بقضاياه، باظهار أهل القرية متجمّعين في سينما بدائية لمشاهدة ما يشبه نشرة إخبارية عن المعاهدة بين الحكومة الأيرلندية والبريطانية. الساسة المتفاوضون يغمغمون بكلام إلى عازف البيانو المحلي المرافق للعرض (كان ذلك قبل ظهور الصوت على شاشة العرض)، والجمهور تتغيّر حالته حين يكتشف أن "مايكل كولينز" وزعماء آخرين قد باعوهم للإنجليز.
بطريقة غريبة، كما تفعل السياسة دائماً، ومع تزايد الصراع ينحاز تيدي إلى الحلّ الوسط: قبول المعاهدة، بينما دميان -المتنامي راديكالياً- يرفض المعاهدة لانتقاصها من استقلال أيرلندا ويتجه إلى طريق الكفاح المسلح. هذا التطوّر يأخذ الفيلم في اتجاه آخر مذهل وكارثي في آن.

 اللمحات الإنسانية التي يضعها "لوتش" وشريكه المعتاد بول لافيرتي Paul Laverty لقصتهم تمنعها من كونها مجرد صراخاً حول "كيف استغل البريطانيون أيرلندا؟": الأيرلنديون يظهرون بصورة أفضل من الانجليز ولكن ينالهم بعض من اللوم أيضاً. الجميع ضحايا الحرب والتذكير بصغر سنّ شباب المقاتلين كان مؤثراً بقدر مشاهدة أعمار القتلى في العراق (وقت عرض الفيلم) وأعمار "الثوار" و"المجاهدين" في أيامنا هذه في سوريا والعراق.
بسيناريو كلاسيكي وشخصياتٍ واقعية وبراعة في تصوير الريف الأيرلندي، وأداءٍ متميّز من الممثلين؛ استحقّ الفيلم الحصول على سعفة «كان» الذهبية في العام 2007. وجدير بالذكر أنه أثار الكثير من الجدل وقت عرضه حتى أن بعض النقاد الانجليز شجبوه من دون أن يشاهدوه بالأساس، بدعوى اساءته للإنجليز وتحامل صنّاعه عليهم. وعلى الرغم من موضوعه القاتم ومتتالية التعذيب القاسي فإن الفيلم حقق نجاحاً كبيراً في شبّاك التذاكر وإلى الآن يمثّل النجاح التجاري الأكبري لمخرجه.



War Witch (2012)



عندما يبدأ الفيلم مع بطلته ذات الإثنى عشر عاماً التي يتم تسليمها بندقية وتضطر لقتل والديها، يمكنك أن تكون على ثقة من أن الدقائق التسعين التالية لن تكون سهلة المشاهدة. هذا هو الحال مع فيلم الكاتب والمخرج الكندي كيم نجوين (Kim Nguyen) الذي يحكي قصة كومونا (Rachel Mwanza)، فتاة صغيرة تُختطف من قبل المتمردين ويتم تحويلها إلى "طفلة مقاتلة" في مكان غير مُسمّى من صحراء أفريقيا الجنوبية الكبرى. الفيلم يؤكد على أنه من وحي الخيال، ولكن هناك ذلك الشعور المزعج بأن قصصاً كهذه قد حدثت ولا تزال تحدث في هذا العالم الذي يغرس "ساحرة الحرب" في واقعية مؤلمة لا مفرّ منها.
نجوين الذي أمضى ما يقرب عقد من الزمان في البحث لأجل تلك الوثيقة الدرامية عن الجنود الأطفال في أفريقيا، ينجز ذلك العمل المؤلم عن شجاعة مذهلة لفتاة أفريقية في محاولتها النجاة من كابوس تلو الآخر في سبيل الحفاظ على ما تبقى من إنسانيتها. فخلال العقدين الأخيرين تم إختطاف أكثر من ثلاثين ألف طفل أفريقي من عائلاتهم والزجّ بهم في حرب عصابات مهلكة تنتهك آدميتهم، ويضطر فيها الأطفال لقتل المدنيين الأبرياء واغتصاب النساء والفتيات الصغيرات بل وحتى تشويه المارة العابرين. يقول أحد الأطفال الجنود "هذه الحرب أحدثت ثقباً في روحي وغيّرتني إلى الأبد".

لكن في حين أن الفيلم هو بالتأكيد بورتريه قوي -ومروّع في بعض الأحيان- عن الظلم، فإنه ليس ثقيل الوطأة على طول الخط، ولكن ثقله الشعوري يتأتّي بمهارة وحساسية. نجوين يملك متعاونين رائعين: موانزا بأدائها الرقيق والمعقد توجّه الجمهور من مجرد مصمصة شفاه الشفقة إلى التعاطف الكامل مع مأساتها، والمصور السينمائي الفرنسي نيكولا بولدوك Nicolas Bolduc الذي، على طريقة تيرانس ماليك Terrence Malick ، يخلق لحظات من الجمال وسط وحشية الأحداث، تضمن للفيلم انتباه العين بقدر القلب



Grbavica (2006)



في الحروب التي دارت في يوغوسلافيا السابقة خلال التسعينيات قُتل أكثر من مائة ألف شخص، تم دفن الكثير منهم في مقابر جماعية قبل أن تسنح لعائلاتهم فرصة التعرّف عليهم. وتقول تقارير الأمم المتحدة أن نحو عشرين ألف امرأة تعرضن للاغتصاب بشكل ممنهج في البوسنة. الكاتبة والمخرجة ياسميلا زبانيتش Jasmila Zbanic صنعت فيلماً عاطفياً ومؤثراً عن امرأة تعيش في سراييفو وتناضل مع كوابيس وأسرار هذه الحرب. يطارد الماضي الحاضر في هذه الدراما التي حملت عنوان غرابافيتشا، إحدى ضواحي العاصمة البوسنية سراييفو، التي شهدت أثناء الحرب الأهلية وقائع تعذيب بحق البوسنيين حيث كانت أحد معاقل التعذيب والإغتصاب الصربية سيئة السمعة. قوة الدراما تأتي من تصوير آثار الحرب العرقية على أرواح وأجسام وعقول من تمكنوا من البقاء على قيد الحياة، والذين لم يعودوا أبداً كما في السابق.
يعود الفيلم بعد عشر سنوات من انتهاء الحرب ليحكي قصة "إسما" (ماريانا كارانوفيتش(Mirjana Karanovic  امرأة صلبة في منتصف عمرها وابنتها المتمردة "سارة" ذات الاثنى عشر عاماً المتحمسة للذهاب في رحلة مدرسية مرتقبة. كلفة الرحلة 200 يورو والإبنة تعلم من أحد مدرسيها أن بامكانها الذهاب مجاناً، لأن والدها كان أحد شهداء الحرب ولكن يجب احضار شهادة رسمية تثبت ذلك. حين تخبر سارة أمها بذلك تحجم الأم عن اعطائها الوثيقة المطلوبة وتصرّ على دفع مصاريف الرحلة، هي التي تقوم بعمل نهاري في مصنع للأحذية وعمل ليلي كنادلة في احد النوادي الليلية. لماذا؟
يتحدّانا الفيلم أن ننسى أن رياح الحرب تبقى طويلاً بعد انقضاء المعارك وصمت القنابل فذكريات الناجين تحمل ألافاً من بذور المعاناة والألم. إسما تكشف بعض أسرارها في جدال عنيف مع ابنتها ينتهي بصدمة الإثنتين ولكننا نعرف أن محبتهما وحاجتهما إلى بعضهما البعض ستحملهما إلى مستقبل أفضل.

باقتصاد حكائي وحسّاس كذلك؛ تؤسس زبانيتش فيلمها -الحائز على دب «برلين» الذهبي- على سلسلة من التفاعلات والمواقف البسيطة، بما في ذلك الصداقة الطيبة بين "إسما" و"بيلدا" حارس النادي الليلي، وأحد الناجين من الحرب الذي ترك دراسته الجامعية ويقوم بزيارات منتظمة للمقابر أملاً في العثور على رفات والده الذي فقد في القتال والذي يتفكّر "إذا تذكرت كل شيء ، كنت سأقتل نفسي ". ومع الأداءات التمثيلية الجيدة ترسم المخرجة صورة كاشفة لمجتمع يكافح من أجل الاستمرار في حياة "عادية" والتعامل مع إرث معاناته المؤلمة.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق