14‏/3‏/2015

مونوكروم الألفية الجديدة (1): خمسة أفلام أمريكية حديثة بالأبيض والأسود



رغم كل ما شهدته صناعة السينما من تكنولوجيا متطورة لا تزال سينما الأبيض والأسود لا تزال قادرة على الحضور. في العام 2012 ذهبت جائزة أوسكار أفضل فيلم إلى "The Artist" المصوّر بالأبيض والأسود، في نفس العام ظهرت خمسة أفلام فنية arthouse بالأبيض والأسود: "The Day He Arrives" للكوري الجنوبي هونج سانج سو، "Keyhole" للكندي جاي مادين، "The Turin Horse" للمجري بيلا تار، "Tabu" للبرتغالي ميجيل جوميز، "The Color Wheel" للأمريكي أليكس روس بيري. الثلاث الأفلام الأخيرة هي فقط التي صوّرت في الأصل على فيلم خام أبيض وأسود. في العام 2013 ظهرت خمسة أفلام أخري مصوّرة بالأبيض والأسود: Frances Ha"" لنواه بامباخ، Nebraska"" لألكسندر باين ،  "Computer Chess" لأندريه بوجلاسكي ، "Much Ado About Nothing" لجوس ويدون، "Jealousy " لفيليب جاريل. الأفلام الأربعة الأولى لمخرجين أمريكيين وأيضاً لم يتم تصويرها على فيلم خام أبيض وأسود. في العام الماضي دخل مخرجون جدد على خط التجربة فظهر "Ida" للبولندي بافل بافليكوفسكي و"ديكور" للمصري أحمد عبد الله.

في أغلب تلك التجارب لا يكون التصوير بالأساس بالأبيض والأسود بل يتم التصوير بالألوان عادة ثم تجري عملية المعالجة للتحويل إلى الأبيض والأسود؛ فما الذي يغري صانعي الأفلام بالعودة إلى اللونين الكلاسيكيين؟ بالتأكيد لكل أسبابه الخاصة: الحنين ربما، أو لمناسبة السياق التاريخي لموضوع الفيلم كما هي الحال في  Tabu أو The Artist، أو رؤية فنية خاصة كما يبرز في ذلك الإتجاه بيلا تار وجاي مادين اللذان اختارا تصوير كلّ أفلامهما بالأبيض والأسود. ولكن هناك من تجذبه امكانيات الوسيط للتمويه بين "الأبيض والأسود" كمرجعية فنية واستخدامه من أجل خصائصه البنوية: قدرته على خلق صورة شبه واقعية أقرب لأحلام اليقظة تتصاعد فيها الظلال، التركيبات، التخططيات كما في "Computer Chess"  و "The Color Wheel". المُشاهِد من جانبه ربما يؤخذ بطريقة الحكي بالأبيض والأسود عن عالم حديث، أو يرى أن الأبيض والأسود يعلي من التأثير الدرامي لفيلم ما. وربما يمتعض البعض من ذلك الاختيار مؤكدين على أنها دليل قِدَم لا إبداع، وتصدّر إحساساً بالفقر الفني!

على العموم سنصحبكم في إطلالة، تحاول أن تكون وافية، على انتاج السينما العالمية من "أفلام الأبيض والأسود" في الألفية الجديدة من خلال عدة مقالات سيكون أولها خاصاً بالسينما الأمريكية وبالأخص السينما الأمريكية المستقلة واستعراض خمسة أفلام اختارت الأبيض والأسود كي تظهر على مشاهديها.



(Computer Chess (2013



قبل أي شيء: مخرج هذا الفيلم هو واحد من المخرجين الكبار الذين لم ينالوا التقدير والاهتمام اللازم من النقاد والمتابعين. أندريه بوجلاسكيAndrew Bujalski هو في طليعة مجددي فن السينما في عصرنا الحالي ولا يسعني سوي حث كل من يريد تجربة سينمائية مغايرة ومحترمة على مشاهدة أفلامه.

الفيلم يبدو مفارقاً لكل الانجاز السينمائي الأمريكي المستقل في السنوات العشرين الأخيرة. في فيلمه الرابع حقق أندريه بوجلاسكي Andrew Bujalski الشيء الكبير، فالفيلم يشكل الخروج الزمني الأول له، وبعد العمل مع فيلم 16 مللي في Mutual Appreciation، تحوّل هنا إلى "أبيض وأسود" عفا عليه الزمن باستخدامه لكاميرا من انتاج السبعينات لا تصوّر سوي بالأبيض والأسود. من على السطح، يبدو الفيلم كتوثيق فضفاض لأحد المؤتمرات التكنولوجية المنعقدة في الاجازة الأسبوعية بحضور عدد من المبرمجين وأوائل المتخصصين في الذكاء الاصطناعي، خصوصاً اولئك الذين يعملون على تطوير برامج شطرنج مستقلة. تدور أحداث الفيلم في بداية الثمانينيات حين كان دور الكمبيوتر في الحياة اليومية مجرد فكرة تبدو واقعية ولكن غير محددة. الثقافة المرتبطة بالاختراع الجديد لم تكون بذلك الشيوع الذي نشهده في أيامنا هذا، بل انحصرت نقاشاتها في دوائر مهووسي التكنولوجيا وأساتذة جامعيين محتملين ورجال أعمال المشاريع المستقبلية ونماذج أخرى غريبة لا يزدهر انتاجها سوى في بيئات مسيطر عليها بعناية. تجتمع تلك التشكيلة من الشخصيات في أحد الفنادق الغريبة صحبة لوحات التحكم الخاصة بهم بينما يقوم سيد الشطرنج البشري بات هندرسون (قام بدوره الناقد الفني جيرالد بيري Gerald Peary) بمراسم استقبال تشريفية.


لا يذهب بوجلاسكي لتلك الفترة الزمنية لعرض سذاجتها أو التمرمغ في الحنين. عوضاً عن ذلك، ينظر الفيلم إلى المشهد التقني قبل أن يصبح جاذباً لأصحاب المليارات. لن نجد استقصاء للماضي بأسباب الحاضر ووسائله backshadowing ولكن اعادة النظر في احتمالات مجهولة وفي هذا الصدد يبدو واضحاً شعور بوجلاسكي بالقرابة من هؤلاء المبرمجين. استخدامه لصورة الفيديو التناظرية القديمة analog يمنحه الفرصة لعرض امكانياتها الجمالية. وبالمثل فبنية الفيلم مع اهتمام المخرج المشتت بين الشخصيات المتناثرة، والاحساس الدائري بالزمن تتلاقي مع الاحساس بشبكية الحبكة بدلاً من خطّيتها وهي التقنية التي يعارض بها بوجلاسكي أسلوب السينمائيين الواقعيين. في جوهر بنيته الدائرية تلك، فان الفيلم يرفض الأحكام اليقينية بشأن الماضي أو استشراف المستقبل، وبوجلاسكي في ذلك يبدو كصانع سينمائي بعقلية فارس قديم يتحسس طريقه في الظلام.






(The Color Wheel (2011




JR، (الشخصية التي تقوم بدورها كارلين ألتمان Carlen Altman)، مذيعة طموحة في العشرينيات من عمرها ولكن بدون موهبة. يوماً ما تطلب من شقيقها العصبي كولين (يقوم بدوره مخرج الفيلم أليكس روس بيري Alex Ross Perry) المساعدة في نقل اغراضها من شقة صديقها السابق، والذي نعرف أنه أستاذها السابق. يعتقد كولين أن JR بائسة ولا تبعث على المتعة ولكنه لا يعترف بأنه على نفس القدر من السوء، وهو العالق في علاقة امتدت لثلاث سنوات مع امرأة تعلن عن كراهيتها له وترفض النوم معه.

على مضض، يصعد كولين إلى سيارة شقيقته ويبدأن رحلة من ضواحي بنسلفانيا إلى بوسطن. وكعادة تلك الأفلام: محطة الوصول ليست مهمة بقدر الأحداث التي ستقع خلال الرحلة نفسها؛ وهذا هو الشيء التقليدي الوحيد في هذا الفيلم.

ينهل الفيلم من عدمية فيليب روث وسخرية جيري لويس المتأخرة، في حكايته عن زوجين شنيعين، أخ وأخت لا يقدمان أي اعتذار عن سلوكهما ويبدوان كما لو كانا على استعداد للاساءة لكل من يقابلهما، ولكن يظلا مثيرين للفضول بطريقة غريبة. مزاحهما المعتمد على سرعة البديهة والاخلاص لعملية إذلال مشترك، يعطي الانطباع بارتجال تمثيلي ولكن في الحقيقة كل ذلك مكتوب باتقان محكم من مؤلفي الفيلم( وهما أيضاً من قاما بالدورين الرئيسيين). فقط عندما يبدو وكأن هاتين الشخصيتين قد أسقطا كل ما يثقل كاهلهما وسمحا لنفسيهما بتصرف يبرز حقيقتهما فانهما يفعلا شيئاً سيجده أغلب المشاهدين مؤسفاً وربما مقززاً.

عوضاً عن حرق الفيلم وحكي تفاصيله، يمكن الاشارة إلى درّة الفيلم: لقطة طويلة تستمر فتنتها طيلة عشر دقائق، يجلس فيها كولين و JR على أريكة ويتحدثان عن لا شيء تقريباً. ولكن بينما تشاهد ذلك، وبينما الكاميرا تتحرك بثبات هاديء، تدرك قيمة تلك الدقائق: إنها أول محادثة صافية نشاهدها في الفيلم وربما في حياتهما أيضاً.


كاميرا شون بريس ويليام  Sean Price William تتنوع حركتها بين الصورة المهتزة والزوم المُركّب واللقطات المتحركة dolly-shot ولكن لا شيء متسرع في هذا الفيلم المكاني بامتياز. أسلوبه الجامح وانعطافاته النغمية ترمينا في قلب رؤيته القاتمة- والمتعاطفة في جوهرها- للحياة والتوق البشري. بجمعه بين الكوميديا والدراما وفكاهة تتراوح بين الهزلية والساخرة والبغيضة، ولعبة حوارية تبدو فيها الكلمات ككرات مطاطية ترتد بين جدران متقابلة؛ The Color Wheel بالتأكيد لا يصلح للجميع ولكن جرأته لا يمكن انكارها. فيلم أليكس روس بيري ذو الميزانية المتقشفة، والذي تم تصويره على فيلم 16 مللي، هو واحد من أقوى وأجرأ الأفلام الأمريكية المستقلة في العقد الأخير: بتحديه لما تم تكريسه من أسلوب وذوق عن الفيلم المستقل وتقديمه إجابة جديدة لسؤال ما الذي يمكن لفيلم مستقل أن يقدمه؟.









(Frances Ha (2012




نواه بامباخ Noah Baumbach، الفتى المدلل للمشهد الأمريكي السينمائي المستقل (أخرج أيضاً The Squid and the Whale و Margot at the Wedding  وكتب للمدلل الآخر ويس أندرسون Wes Anderson فيلمي The Life Aquatic with Steve Zissou و The Fantastic Mr Fox) يتعاون مع ديفا السينما الأمريكية المستقلة جريتا جيرفيج Greta Gerwig (حبيبة المخرج، والتي عملت منذ 2006 في مجموعة كبيرة من الأفلام الصغيرة التي لن تراها أبداً) ليقدما فيلماً من تلك الأفلام التى تترك شعوراً جيداً لدى مشاهدها.

تلعب جرفيج دور فرانسيس، راقصة أو كوريوجرافر محتملة، امرأة شابة تحاول ايجاد المشتبه بهم المعتادين (الحب، الاستقرار المهني، الرضا الابداعي) في نيويورك، المدينة نفسها التي تسكنها فتيات لينا دنهام Lena Dunham. فرانسيس طرف في واحدة من تلك الصداقات الطويلة مع صوفي (ميكي سامنر Mickey Sumner)، والتي تعمل في دار النشر راندوم هاوس Random House. " نحن مثل ثنائي مثلي ولكن لم يعودا يمارسا الجنس". مثل كثير من شخصيات الفيلم، تتحدث الصديقتان بأريحية عن حياتهما الجنسية، والتي تبدو عارضة وغير مقنعة لكلتيهما. يتخيلان مستقبلهما: سيكون هناك "عشاق بدون أطفال" وشهادات فخرية، وبالطبع لا مزيد من المآزق الحياتية.

بشكل ما الفيلم عن مفترقات الطرق التي تضعها الحياة أمامها، وسؤال "ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك؟". عن تجربة الخروج من العشرينيات الخالية من المسئولية والدخول في ثلاثينيات العمر المنذرة بالكثير. بطريقة دائرية، ورغم اهتمام السيدتين الصغيرتين بالرجال حول المدينة، هناك اهتمام بكيف تصبح الصديقة صديقة girlfriend. فرانسيس وصوفي يلتقطان تلك المشاعر من الحب والاثارة والتقارب الخانق والشائك التي تأتي من الوجود في تلك المنطقة من العلاقات الانسانية.


في حوار مع بيتر بوجدانوفيتش Peter Bogdanovich تحدث المخرج عن فوتوغرافيا الفيلم وصعوبة تصوير فيلم بالأبيض والأسود بكاميرا ديجيتال حيث ذكر شيئاً عن أضواء النيون في باريس والتي كانت مبتذلة في النسخة الملونة، ولكن حين حوّل الفيلم إلى الأبيض والأسود ظهرت بصورة مدهشة. بامباخ الذي صوّر فيلمه في نيويورك وسان فرانسيسكو وباريس بدا واضحاً حضور الموجة الفرنسية الجديدة Nouvelle Vague في ذهنه (في أحد المشاهد نلمح على جدران أحد مساكن فرانسيس المؤقتة بوستر L'argent de poche (1976) لفرانسوا تروفو). ولكن ذلك التأثر مقصود وموضوعي وله أسبابه الوجيهة التي تتقاطع مع أعمال مخرجي الموجة الفرنسية: الايقاع (الحركات اللاهثة والوعي الذاتي للشخصيات) والسرد (اندفاع الشباب في البيئات الحضرية) والخشونة التقنية (الكاميرا المستخدمة في تصوير الفيلم تعادل في زمنها الكاميرات التي استخدمها "جودار" و"تروفو" في بدايتهما)، حتى أننا نجد أصداءً لإريك رومير Eric Rohmer  (بالتحديد في اهتمام الفيلم بفكرة الواقع المستقر لشخصيته الرئيسية والذي يتم اختباره بواقع آخر مختلف، وفي النهاية تتم العودة للواقع الأول). مثل تلك الاستيحاءات موجودة على الدوام في أعمال بامباخ ولكنها هنا تتصدّر الواجهة في تحية منعشة للرواد، حملت جرفيج عبئها الأساسي بخفتها وأدائها المتقن، لا ارتجال زائد ولا افراط في التمثيل. هي التي ربما لا تتحصّل على المواصفات الشكلية لنجمات هوليوود المكرّسين، ولكن هناك شيئاً مميزاً بخصوصها: تبدو وكأنها ممثلة أنيقة خارجة من الأربعينيات، الأمر الذي يجعل ذلك الفيلم في بعض الأحيان ساحراً.









(Coffee and Cigarettes (2003




من كان يتخيل أن فيلماً أمريكياً محدود الميزانية يجمّع سلسلة من المحادثات العابرة صحبة فنجان قهوة (أحياناً شاي) وسجائر سيكون واحداً من أفضل الأفلام الكوميدية في مطلع الألفية. جيم جارموش Jim Jarmusch الذي أخرج من قبل ثلاثة أفلام بالأبيض والأسود، استمر طيلة 17 عاما في التقاط أفلاما قصيرة لشخصيات تجمعهم الظروف لاجراء محادثة عابرة و عشوائية(؟) والنتيجة كانت انحرافاً بليغاً للسرد التقليدي. لا، ليس كل مقطع من "قهوة وسجائر" قطعة فنية بديعة ولكن أغلب من نجحت فيهم التوليفة الجارموشية كانت نتيجتها مبهرة.

بعد المقطعين الأولين وأجواء الاسترخاء والنتائج التي لا علاقة لها بالمقدمات، تبدأ خطوط العمل في الاعلان عن نفسها: الإزدواجية، الشهرة، الابدال. وكلما امتد الفيلم فانه يراكم تيماته جنباً إلى جنب مع ابتكاراته البنائية؛ ما يطرح السؤال: كم عدد الأفلام التي يمكن لجارموش أن يصوّرها ويقطّعها لأناس يشربون القهوة في المقاهي والمطاعم؟. إنه حقاً شيء رائع حين تكتشف الكم الهائل من الأفلام التي يمكن أن تخرج من فعل اعتيادي ويومي كهذا

طوال الأنطولوجية الفيلمية، المكونة من احدى عشر مقطعاً، نتابع شخصيات تربطهم صلة ما (رابطة دم، أشياء مشابهة يقومون بها، مصالح مشتركة) ثم يصحبون أضداداً بدون سبب واضح سوى بعض التعسف، والرغبة في العناد والمشاكسة، أو الرغبة في تمييز أنفسهم عن الآخرين. في كل ثنائي نجد أحدهما لطيف وحريص على رضا شريك الطاولة، والآخر متغطرس ويميل للقتال. كثير من متعة الفيلم يكمن في دراسته الحسّية للعالم على نحو تجريدي. في أغلب المقاطع، يقوم جارموش بالقطع على لقطات علوية للطاولة حيث تجلس شخصياته مبرزاً مفرش الطاولة، الشطرنجي الهيئة، في ربط لطيف بين عنوان الفيلم وطريقة تصويره.

كل الشخصيات تركوا حياتهم العادية: توأم في إجازة، ممثلين انجليزيين يلتقيان في لوس أنجلوس حيث الشهرة التي لم يعتادا عليها، نجم مشهور كبيل موراي Bill Murray يعمل كنادل في حانة. رقعة الشطرنج تعمل كفضاء تجريدي مستئصل من الحياة اليومية والعادية التي تحاول القهوة والسجائر أن تعيدنا إليها، حتى حين نتابع شخصيات الفيلم في مناقشة مواضيع تافهة فإن انطباعاً ما يؤكد على الحميمية والانسجام الناتج من اللقاء بين القهوة والسجائر.







(The Man Who Wasn't There (2001


ايد كران (بيلي بوب ثورنتون Billy Bob Thornton في دور حياته) حلّاق، مُدخّن يقوم بعمله بهدوء في سانتا روزا بكاليفورنيا، لا يحادث زبائنه أو في الواقع لا يتحدث مع أي شخص. يعلم بأن زوجته (مشاركة معتادة من فرانسيس مكدورماند Frances McDormand) على علاقة بداف الكبير Big Dave (جيمس جاندولفيني James Gandolfini في دور صغير ولكن رائع)، ويتقبل هذا الوضع. عن طريق الصدفة يقع على فرصة استثمار ويبتزّ عشيق زوجته للحصول على المال اللازم. الباقي معروف: هناك رجل يُقتل وزوجة تدخل السجن.

يسعى الأخوان إيثان وجويل كوينEthan&Joel Coen  لجعل فيلمهما النيو نوار neo-noir فلسفياً بالكثير من الظل الوجودي واستعارة الفلاسفة الألمان، ولكن هناك شيئاً لا يزال مفقوداً: إيد الذي لا يحدث أي تطور درامي في شخصيته حتى نهاية الفيلم، يظل على حالته من الهدوء والصبر وخداع الذات. في الأثناء، يقدّم الأخوان حبكة اضافية بظهور بيردي أبونداس (سكارليت يوهانسون Scarlett Johansson) معجزة البيانو، أو هكذا يعتقد إيد. يأخذها إلى معلم بيانو رفيع والذي يخبره بأنها "تلعب البيانو مثل فتاة لطيفة جداً" ولكن بدون أية عاطفة موسيقية (وهو الأمر الذي سيلاحظه أي مشاهد متذوق من قبل أن تخبره إحدى شخصيات الفيلم). لكن رغم ذلك تبقى نقاط تحسب للفيلم:الأداء المبهر لبيلي ثورنتون وجيمس جاندولفيني، السيناريو الذكي رغم بعض الملل. هو فيلم مثير للاهتمام بتعاليه على الحبكة التقليدية لأفلام النوار ولكن بدون انتعاش.

حتى في أسوأ حالاتهم، لا يكون الكوينز مملين على الاطلاق. فوتوغرافيا روجر ديكنز Roger Deakins الرائعة تبدو نافرة بعض الشيء مع رتابة الايقاع. وربما تكون رؤية سكارلوت يوهانسون المراهقة سبباً كافياً لمشاهدة هذا الفيلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق