24‏/2‏/2016

الصحفي في السينما...متن يبحث عن هامش

من فيلم "سبوتلايت" لتوماس مكارثي

في فيلم أسود للحملان (2007) قدّمت ميريل ستريب دور جانين روث وهي صحفية أمريكية معارضة للحرب التي قادها جورج بوش الإبن وإدارته على أفغانستان والعراق بحجّة محاربة الإرهاب. في أحد المشاهد يدور حوار بينها وبين السيناتور الأمريكي جاسبر إيرفنج (توم كروز)؛ يبدو الحوار مثل مباراة للشطرنج يحاول فيها كلاهما المناورة واقناع الآخر بمنطقه الخاص أو الإيقاع به في فخّ الأفكار المتناقضة. السيناتور يروّج لأفكاره وخططه العسكرية لانهاء الحرب على القاعدة وطالبان والصحفية العجوز تستعيد مشاعرها الثورية الغاضبة حينما كانت في شبابها تعارض حرب فيتنام في الستينيات.
جانين روث لم تكن هي الصحفية الوحيدة التي اهتمّت بها السينما الأمريكية التي ترى أن فساد الصحفي أشد وقعًا من فساد السياسي لدى الرأي العام. فالصحفي كان بطلًا حقيقيًا في كشف فضيحة "ووترغيت" الشهيرة والتي قدّمتها هوليوود في فيلم "كلّ رجال الرئيس" (1967) من إخراج آلان باكولا الذي جسّد فيه روبرت ريدفورد وداستن هوفمان شخصيتي الصحفيين بوب وودوارد وكارل برنشتين اللذين كشفا تنصّت الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون على مكالمات مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى ووترغيت، وهي القضية التي أدت إلى إعلان نيكسون استقالته في عام 1974. يبيّن الفيلم مدى صعوبة مهمة الصحفيين والمخاطر المتعلّقة بحياتهما وسمعتهما فيما لو استطاع الرئيس الأمريكي إخفاء الأمر وتكذيبهما.
في السنة الماضية قدّمت السينما الأمريكية مجموعة من الأفلام اتخذت الصحفي وعمله مرتكزًا لحكايتها، نذكر منها " تراينريك" لجود أباتو وآيمي شومر و"نهاية الرحلة" عن مقابلات أحد صحفيي مجلة رولينغ ستون مع الروائي الأمريكي الشهير ديفيد فوستر والاس، وفي "قصة حقيقية" يلعب جونا هيل دور مراسل صحفي يُفصل من عمله بنيويورك تايمز. ومؤخرًا، ظهر فيلمان تناولا من جديد مسألة أخلاقيات الصحافة ومواجهتها للفساد وهما "سبوت لايت" لتوماس مكارثي و"حقيقة" لجيمس فاندربيلت.

"سبوت لايت" من بطولة مارك روفالو وستانلي توتشى ويحدّثنا عن فريق صحفي بنفس الإسم من صحيفة بوسطن جلوب أنجز في عام 2002 تحقيقًا حول الاعتداءات الجنسية المرتكبة بحق أطفال من قبل قساوسة في أبرشية بوسطن، وأدى ذلك حينها لاستقالة برنارد لوو كاردينال بوسطن. ويُذكر أن الفيلم تم ترشيحه في سباق الأوسكار للحصول على ست جوائز من بينها جائزة أفضل فيلم.
أما فيلم "حقيقة"، والذي بدأت عروضه التجارية قبل شهرين ويضطلع ببطولته كيت بلانشيت وروبرت ريدفورد، فيستند على مذكرات الصحفية ماري ميبس في شبكة (سي بي إس نيوز) والتي تسبّب تقرير تلفزيوني لها بثته القناة الأمريكية في عام 2004 حول سجل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في الخدمة العسكرية؛ تسبب في طردها من عملها قبل شهرين من الإنتخابات التي كان يسعى فيها بوش إلى الفوز بفترة رئاسية ثانية.

 في السينما العربية، وفي القلب منها السينما المصرية، لا يزال دور الصحفي مهمّشًا ومسطّحًا وغالبًا ما ينحصر دور الصحفى في نمطين لا ثالث لهما: إما شريف نزيه يتصدّى للفساد، ينتصر أحيانًا أو يكون ضحية للفساد فى أحيان أخرى، وإما وصولي ومضلّل للعدالة لا يقيم وزنًا للمباديء أو أخلاقيات المهنة. وربما يمكن القول بأن محجوب عبد الدايم "القاهرة 30" (1966) مثّل الظهور الأشهر لشخصية الصحفي في السينما المصرية. كان عبد الدايم نموذجًا للصحفي الوصولي الوضيع الذي يقبل الزواج من حبيبة صديقه السابق وعشيقة الرجل الذي يتولّى رحلة صعوده في عالم المدينة. ولكن قبل عبد الدايم كان هناك رؤوف علوان في "اللص والكلاب" (1962) ويمكن ملاحظة أن كلا الفيلمين من تأليف نجيب محفوظ، أي أن إفراد مساحة رئيسية للصحفي في السينما المصرية جاءت من نصّ أدبي وليس سيناريو أصلي مكتوب للسينما مباشرة. (وذلك مع إهمال الظهور الشهير لعبد الحليم حافظ كمصوّر صحفي في فيلم "إنت عمري" الذي سبق "اللص والكلاب" بعامين تقريبًا).

توالت بعد ذلك ظهورات شخصية الصحفي في السينما المصرية: عادل إمام في "الغول" (1982)، وآثار الحكيم في "بطل من ورق" (1988)، أحمد زكي في "إمرأة واحدة لا تكفي" (1990)، ونادية الجندي في "الإرهاب" (1989)، ونبيلة عبيد في "قضية سميحة بدران" (1990)، وسمير صبري في "دموع صاحبة الجلالة" (1992)، وحنان ترك في "الآخر" (1999) وغادة عادل في "عيال حبّيبة" (2005) ومي عز الدين في "خيانة مشروعة" (2006).

ورغم أن كثيرًا من الأفلام المصرية تناولت الفساد في السنوات الماضية إلا أنها لم تحاول رصد دور الصحافة الجادة في محاربته إلا في محاولة وحيدة قام بها المخرج خالد يوسف في "خيانة مشروعة" ولم يكن للصحافة نصيب كبير من الإهتمام في الفيلم الذي، مثل كلّ أفلام المخرج، يحتوي على تركيبة عشوائية من الميلودراميات الفاقعة والإنقلابات السردية. وما زالت شخصية الصحفي في حاجة لإهتمام السينما العربية بها من دون مبالغات تضعها في مرتبة أصحاب القوى الخارقة أو تهبط بها إلى درك الشياطين والأبالسة، فالصحفيون حاليًا هم أحد الفئات النادرة التي تتصدّى للفساد ومراقبة السلطة في الوقت الذي يتعرّضون نتيجة ذلك إلى الترهيب والإبتزاز والسجن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق