22‏/2‏/2016

"الليلة الكبيرة"...حين يدخل الله إلى السينما


حديث البعض عن "مشروع سينمائي" يجمع الثلاثي أحمد عبدالله مؤلفًا وسامح عبدالعزيز مخرجًا وأحمد السبكي منتجًا يبدو مبالغًا بعض الشيء. كذلك التنظير بخصوص الدراما الأفقية والمؤطّرة بزمن سينمائي لا يتعدّى اليوم الواحد يبدو مغرقًا في التفاؤل والتعويل على منتَج سينمائي لا يوجد سوى في خيال بعض النقّاد. بدءًا من "كباريه" (2008) وتابعه "الفرح" (2009) ثم "ساعة ونص" (2012) وصولًا إلى "الليلة الكبيرة" في 2015؛ شكّلت دراما الحواديت المتقاطعة في مسافة مسافة زمنية أفقية ما يشبه "تريند" اعتمدته سينما السبكي لانجاز أفلام تبتعد ظاهريًا عن بقية انتاجات الشركة الموصومة من قبل الكثيرين بالمسئولية عن ظهور "موجة من الأفلام الهابطة والتافهة المحرّضة على العنف" خصوصًا في أوساط المصريين من الشباب والمراهقين. ويُذكر أن آخرين، مأخوذين بالنجاح الجماهير لتلك الأفلام، حاولوا استنساخ تلك الخلطة السينمائية مع تغييرات أسلوبية ونصّية طفيفة من دون أن يطرّز التوفيق تجربتهم.
"الليلة الكبيرة" هو آخر عناقيد الثلاثي عبدالله وعبدالعزيز والسبكي وقد بدأت عروضه التجارية في الصالات المصرية في أوائل ديسمبر  وذلك عقب عرضه ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأخيرة. ورغم التوقعات بعمل سينمائي مختلف وجدير بتمثيل مصر في المسابقة الرسمية للمهرجان العريق فإن الفيلم نفسه أثبت مدى غموض أسباب ذلك الاختيار نظرًا للمستوى الفني المتواضع الذي ظهر عليه وهزال الطرح الفكري الذي يقدّمه حول الصوفية والسلفية.
كالعادة، تدور أحداث الفيلم في يوم واحد هو ليلة الاحتفال بمولد أحد الأولياء المتخيّلين (عرش الدين الأنصاري)، وبالتحديد من فجر تلك "الليلة الكبيرة" وحتى فجر الليلة التالية. مع افتتاحية مهيبة تظهر فيها خادمة المقام (سميحة أيوب) تبتهل بالدعاء قبل أن تدخل مقام الوليّ لايقاظ النائمين استعدادًا للاحتفال الكبير. وكالعادة، هناك الكثير من الشخصيات والحكايات المنفصلة والمتقاطعة والخطوط السردية المتوازية، حتى أنه ليمكن لهواة التوثيق والتفصيل كتابة مقال قائم بذاته يحوي أسماء الممثلين والشخصيات وحكاياتها. هذه الكثرة والوفرة تمثّل ثقلًا زائدًا على الفيلم الذي تبلغ مدته 123 دقيقة ويمكن بسهولة حذف ساعة كاملة من تلك المدة من دون أن يتغيّر شيء. ومن ناحية أخرى أعطت هذه الكثرة فرصة للعديد من الممثلين للظهور في شكل مختلف (كما في حالة علاء مرسي مثلًا) والعودة إلى الشاشة الكبيرة (كما في حالة وائل نور وصفية العمري).
هناك مورال أخلاقي ديني ثابت في الأفلام الأربعة هو في صلب العوار الذي يتخلّل ذلك "المشروع السينمائي" الذي يقترح العودة إلى "الشكل الصحيح للاسلام الوسطي" على حدّ قول المؤلف، وفيه يتمّ عقاب المتسبّب في الانحراف عن هذا الاسلام الوسطي: في "كباريه" يمثّل انفجار الملهى الليلي عقابًا مزدوجًا للمتشدّدين الدينيين والمنحرفين عن طريق الله على السواء، ولا ينجو من هذا العقاب الدرامي سوى النادل الازدواجي الذي يحافظ على الصلاة في أوقاتها أثناء عمله في تقديم الخمور للزبائن. في "الفرح" تتدمّر حياة العريس لعدم اسراعه في دفن والدته واصراره على استكمال الفرح لجمع النقوط كاملًا، ولا ينسى الفيلم تذكيرنا بالنهاية السعيدة التي كانت تنتظره إذا ما اتبع صحيح الدين وأنهى الفرح سريعًا ليدفن والدته ويكتمل الخطاب الأخلاقي الديني بالآية القرآنية: "إن أنا إلا نذير وبشير لقومٍ يؤمنون". في "ساعة ونص" يكون حادث القطار الذي يودي بحياة أغلب الشخصيات هو العقاب الدرامي لهؤلاء الأفراد المنخرطين في الفساد والجنس والتفسخ الاجتماعي، وبالطبع لا ينجو سوى الأنقياء والأطهار بحسب تعريف المؤلف.
الأمر ذاته نجده في "الليلة الكبيرة" ولكن بإدراة بؤرة الاهتمام إلى علاقة العبد بالمعبود بدلًا من ثنائية التطرف الديني والتطرف المضاد. يأتي هنا التشدد الديني الذي يمثله السلفيين الرافضين لإقامة الموالد والافراط في تغييب العقل الذي يمثله زوّار المولد، لينزل العقاب على اللاجئين إلى غير الله وهو الوليّ الذي يقام له المولد. وبدوره يختلف العقاب الدرامي قليلًا؛ فليس هناك كارثة عامة طارئة تحصد حياة العصاة والخطّائين كما في الأفلام الثلاثة السابقة ولكن عقاب ينتظر كل شخصية على حدة وبطريقة مفرطة في افتعالها وابتذالها.
في نهاية الفيلم يغمر المطر الجميع في كريشندو رمزي ربما يعكس نيّة صنّاع الفيلم في تمثّل يوم القيامة والتذكير به، ولكن ليس بالنوايا الطيّبة وحدها تأتي الأفلام الجميلة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق