15‏/11‏/2016

"أنا مع العروسة": مهاجرون ومخرجون بالصدفة


عرض مؤخرا بالعاصمة المصرية القاهرة الفيلم الوثائقي "أنا مع العروسة" (On The Bride’s Side) ضمن عروض بانوراما السينما الأوروبية. العمل الذي اشترك في كتابته واخراجه الإيطاليين غابريلي دل غراندي وأنطونيو أوغوليارو والفلسطيني خالد سليمان الناصري، يكشف جانبا من مأساة المهاجرين في القرن الجديد ويقدّمهم كرحّالة مغامرين مثاليين لهذا الزمن.
بطرق متنوعة يشكّل مفهوم التنقّل الأساس  لفيلم "أنا مع العروسة" حيث يشرع صانعوه والمشاركون به في رحلة غير قانونية عبر أوروبا بينما شبح حياة أفضل يستثمر الأمل في الفيلم الوثائقي الذي يتوجه تركيزه إلى مجموعة من النازحين الفلسطينين والسوريين في ميلانو بإيطاليا يقصدون أراضي ستوكهولم الأكثر إخضرارا حيث قوانين الهجرة السويدية أقل صرامة كما يشاع. ما من خط قطارات مباشر بين هذين البلدين والطرق السريعة مدججة بأفراد الشرطة، لذا يجتمع ثلاثة أصدقاء من ميلانو (غابريلي دل غراندي وخالد سليمان الناصري وطارق الجبر)، وجميعهم أصدقاء لهذا الشتات المصغّر، على تهريب هؤلاء المهاجرين الخمسة إلى السويد وتدبير حيلة لاخفاء السبب الحقيقي لتجمّعهم. هذه الحيلة الجريئة والمغامرة ستكون على الصورة التالية: ستتم الرحلة على أنها زفّة عرس تجول أوروبا ليتجنبا بذلك إثارة الشبهات. 1هذه الحالية والحيلة الغريبة والجذابة ستغري بمزيد من الجرأة ليتمدّد حفل الزفاف ويصل إلى قافلة من المهاجرين في رحلة تمتد حوالي الثلاثة آلاف كيلومتر ضمن قارة أوروبا خلال أربعة أيام خلال الفترة ما بين 14 و18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013.

هذه فكرة تعنى مخاطرة عالية وإحتمال التعرّض للسجن (تصل عقوبة مثل هذا الجرم إلى السجن 15 عاما كما يقول المخرجون) ولكن الوثائقي أكثر اهتماما برصد الشكوي من ظلم العالم وفي سبيل ذلك الاختيار يتكبّد السرد الشخصي الضريبة. يتحدث المهاجرون، المتانّقون بربطات عنق، عن موضوعات نبيلة في لقطات مقرّبة، مثل حلمهم الأوروبي، تغشاها نوافذ السيارات المضببة والأكواد البريدية في الخلفية. العروس، تسنيم، تقدّم احتجاجا باكيا ضد عالم منقسم رغم الشمس الواحدة التي تشرق عليه، وخطيبها المتنكّر، عبد الله، يكتب رثاء لمئات الرفاق الذين لقوا حتفهم في البحر بعد غرق قاربهم قرب جزيرة لامبيدوزا. منار، مغني راب سوري في الثانية عشرة من العمر، يضيف إلى الرحلة شيء من الخفة والحماس المراهق طارحا سؤالا معلّقا يعلو الاتجاه الاحتفالي للفيلم ويقدّم دليلا اضافيا على إنهيار الحدود الوطنية والتغيّر الذي تحدثه الحرب على فكرة الانتماء.
يتناول الفيلم بجدية مسألة وثيقة الصلة يمكن تلخيصها بأن الشخص الذام يشعر بأنه إنسان غير أخلاقي. وعلى أية حال، فهذا فيلم مثقل برثاءه وعاطفته وشروط وجوده الصعبة. تمتليء مقابلات أوغوليارو بنداءات غالبا ما تجرّد الشخصية التي تقوم بها وتلك النداءات نادرا ما تتوافق مع متغيّرات الرحلة وتبدأ التراجيدية المفرطة في التراجع إلى الخلفية. في أحد المشاهد، يقول أحد المهاجرين: "أريد أن أنام" وتتباطأ الكاميرا كما لو كان كلام الرجل قويا لشقّ الأرض التي يقف عليها. في مشهد آخر، تتلاعب الكاميرا حرفيا في محاولات لرسم الصورة الكاملة التي لا تأتى أبدا. تلك الهفوات يمكن فهمها إذا عرفنا أن التحضير للفيلم لم يستغرق سوى أسبوعين فقط تم خلالهما كتابة السيناريو وتقسيم المهمات والأدوار وخريطة الرحلة. بالإضافة إلى أنه يمثّل التجربة السينمائية الأولى لكل من الصحافي غابريلي دل غراندي والشاعر خالد سليمان الناصري، وأنطونيو أوغوليارو هو الوحيد من مخرجيه الثلاثة الذي له علاقة سابقة مع السينما من خلال عدة أفلام قصيرة.

المحطة الأصعب من الرحلة تتمثل في بدايتها: جبل صغير وشديد الانحدار يظهر كطريق مسدود أمام أفراد حفل الزفاف بزيهم الكلاسيكي ومسيرة مشي مُجهِدة من إيطاليا إلى فرنسا. إنها لحظة فاصلة في الفيلم يتحوّل فيها المُهمّ إلى ما هو خارج الشاشة وقت تعطيل الكاميرات. الشعور بالأسى والأسف جزء لا يتجزأ من الحيلة الأسلوبية للفيلم وهو ما يدفع بعض المشاهدين إلى الاعتقاد بأن الفيلم يختلق ذلك. جزء من ذلك هو حقيقة أن اللاجئين اخترعوا أدوارا وقسّموها على أنفسهم  كوكلاء عن بشر أكثر حظا، وهؤلاء الأخيرون لا يتوجّه الفيلم إليهم بالسؤال فعليا. فنحن لا نرى سوى صورة تضامنية من الشباب الأوروبي اللذين يفتحون بيوتهم للقافلة في ألمانيا والدنمارك والسويد، مستخفين بكل القوانين المتزمتة في سبيل تحقيق غاية إنسانية، وإحتمالية مساءلة قادة القافلة بتهمة العصيان المدني تبقى غير واضحة كما هو الحال مع السؤال الغائب عن الفيلم:  لماذا سياسة الهجرة في السويد أفضل من نظيرتها في إيطاليا؟. تُدفن تلك الأسئلة عميقا وتشحب أهمية الفيلم كوثيقة درامية أو صحافية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق