الكوليرا،الجدري، الجذام، الجمرة الخبيثة، سارس،
انفلونزا الطيور، كورونا، وغيرها؛ أوبئة أرّقت البشرية طويلاً وأودت بحياة
الكثيرين قبل أن يتوصل العلماء إلى دواء يحد من تأثيرها القاتل. العام الماضي تصدر
فيروس إيبولا العناوين بعد تفشيه في غرب
أفريقيا الأمر الذي قضي على حياة الألاف في أكثر من بلد منذ مارس الماضي. تبدو قصة
الفيروس وكأنها خارجة من أحد أفلام هوليوود التي استهوتها فكرة انتشار الفيروسات
لعقود طويلة. إذا كنت من محبي تلك الأفلام التي تتناول الأوبئة الخطيرة وتفشي
الفيروسات المجنونة وأردت الدخول في لعبة احصائها فقد تفاجىء بذلك العدد الكبير
الذي اتخذها موضوعا له. الأوبئة والفيروسات المميتة كانت تيمة حاضرة على الدوام في
الأفلام السينمائية ولا يخلو عِقد دون أن نجد حفنة من الأفلام التي تتكيء عليها
لتمرر عبرها رسائلها واسقاطاتها المختلفة. منذ العام 1950 وفيلم Panic in the Street (حيث ريتشارد ويدمارك وبول
دوجلاس يحاولان ايقاف تفشي العدوى في نيو أورليانز) إلى World War Z في العام الماضي (وفيه يسابق براد بيت لانقاذ العالم من هجمة فيروسية
زومبية)؛ كانت العدوى القاتلة بؤرة اهتمام العديد من الأفلام المثيرة.
نقدّم لكم خمسة من أفضل تلك الأفلام التي أفرزتها
مخيلة صانعي السينما في الألفية الجديدة في محاولتها لملاحقة الواقع أو التنبؤ
الكارثي بمستقبله من خلال مقاربتها لموضوع الأوبئة.
Pontypool (2009)

في بث
إذاعي غامض بالفرنسية يٌقدم خيط لحل اللغز، حيث يأتي فيه: " رجاءً،
تجنبوا الإتصال بأفراد العائلة المقربين..
الإمتناع عن جميع أفعال التودد.. يرجي تجنب اللغة الإنجليزية".بطريقة ما يبدو
وكأن الكلمات تحيل الناس إلى مجانين عنيفين أو ربما تعمل كحوامل لعدوى ما هي
المسئولة عن رغبة الناس في مهاجمة الآخرين. محاصرين في المحطة الاذاعية مع تزايد
عدد "المصابين" بالخارج، يحاول الثلاثة ايجاد طريقة للبقاء .بدون فعل أكثر الأشياء طبيعية بالنسبة لبرنامج إذاعي
مستوحياً
قصة الكاتب توني بورجيس يصنع المخرج
الكندي بروس ماكدونالد فيلمه حول بلدة تسقط في قبضة هجمة غامضة ليست من قبل
الزومبيز، ولا الانفصاليين ولكن من انهيار الاتصال الطبيعي بين الدال والمدلول.
النقطة الأبرز في هذا الفيلم -المربك فكريا والمختلف عن أفلام الرعب- هي تلك
الكثافة الهادئة التي ينبني عليها الفيلم، تماما كتفكيرنا الذي يذهب لتخيل ما يحدث
في العالم الخارجي. بارع ومختلف ومبتكر، "بونتيبول" فيلم رعب مثقف يثبت
أن كل ما تحتاجه لضخّ الاثارة والتشويق هو سرد جيد وبعض الممثلين المتمكنين كي
تشرق الحكاية.
Children of Men
(2006)

يستغل المخرج
المكسيكي الفونسو كوارون القصة المستقبلية كي يتحدث عن الحاضر، حاضر ما بعد 11 سبتمبر
ويذكّر أوروبا بمخاوفها حول الهجرة غير الشرعية، والتطرف الاسلامي، والتضييق على
الحريات المدنية وتصفير معدلات النمو السكاني، معطياً درساً لمخرجي هوليوود في
اخراج أفلام أكشن ذات بعد إنساني وفكري يتجاوز مطاردات السيارات وتفجيراتها.
[REC] (2007)

الفيلم اعتمد تصويراً
مهزوزاً، وساعد استخدام مخرجيه لتكنيك ابراز وجهة نظر الكاميرا من خلال الكلوز أب
على ابقاء التوتر والرعب حاضرين. حيث تدور الكاميرا أفقياً Panning إلى جانب ما لتفاجيء
المشاهد بما لا ينتظره. هذا الاستخدام لوجهة النظر أضفى على الفيلم طابعا شخصيا وكثّف
من احساس الواقعية في الأحداث.
28 Days Later (2002)

بعد ثمانية
وعشرين يوماً. في لندن، ساعي يدعى جيم (سيليان مورفي) يستيقظ من غيبوبته في
المستشفى وحيداً وشاحباً كجثة. يترك
المستشفى الخالي ويجوب في شوارع لندن الخالية أيضاً من البشر، ما يترك لديه سؤال
معلّقاً عن حقيقة ما حدث للعالم. قريباً، يلتحق ببعض الناجين: سيلينا (ناومي
هاريس)، مارك (نوه هنتلي) وزوج مكون من أب وابنته فرانك (برندن جليسون) وهانا
(ميجان برنس). معظم المصابين قد ماتوا بالفعل بينما الأحياء منهم يترنحون في
المدينة مثل زومبيز بعيون زرقاء، باحثين عن هدف يصبّون عليه غضبهم. يتابع الفيلم
بعد ذلك رحلة الناجين للحفاظ على وجودهم في مواجهة متاعب وجودية ليس أصعبها: كيف
تقتل شخصاً تحبه إذا شككت باصابته بالفيروس؟
صوّر المخرج داني بويل الفيلم بكاميرا ديجيتال ما أعطاه واقعية مشاهد
الفيديو ويظهر ذلك جلياً في مشاهد التي تظهر المشية المتمايلة والمهزوزة للمصابين
في حين تخرج الدماء من عيونهم ويحاولون تدمير كل شخص "سليم" من حولهم.
وحافظ على جو الفيلم الكابوسي، والنظرة التشاؤمية للمستقبل دون إهمال لحظات نادرة
من الإيمان بالانسانية.
Contagion (2011)
يذكّرنا
"عدوى"بأفلام الكوارث في السبعينيات من حيث اجتماع حفنة من الممثلين
النجوم لأداء أدوار شخصيات مقذوفة في أجواء الدمار والموت والتي يبدو وكأنها وجِدت
خصيصاً لهم. المخرج، غزير الانتاج، ستيفن سودربيرج يؤسس لحكايته بلقطات لمجموعة مجهولة
من الناس في أماكن مختلفة من العالم -من هونج كونج إلى شيكاغو مروراً بلندن-
وتخبرنا العناوين على الشاشة احصائيات عن نسب التلوث في مجموعة من مدن العالم
الرئيسية. سيدة الأعمال الأمريكية بيث ايمهوف (جوينث بالترو) على متن طائرة عائدة
من هونج كونج وتبدو اصابتها بما يشبه البرد، لكن حين تصاب بتشنجات وتموت بعد يومين
من وصولها لمينابوليس، يبدأ الأطباء في التفكير في أسباب أكثر خطورة لتلك الميتة
الغريبة والمفاجئة. يحاول الزوج المفجوع، ميتش (مات ديمون) استيعاب ما حدث وتأتي
ابنته المراهقة، جوري ( آنا جاكوبي-هيرون) للعيش معه بعد رحيل زوجة أبيها، ليجد
الاثنان نفسيهما لاحقاً في قلب حدث عالمي خطير.
قصص
مشابهة لتلك العدوى المميتة تبدأ في الظهور في أنحاء مختلفة من العالم – من الصين
لإنجلترا وصولا لليابان- ما يستدعي تحرك الجهات الصحية الأمريكية والعالمية
لمواجهة الخطر. نائب مدير المركز الامريكي
للتحكم بالأمراض إليس شيفر (لورنس فيشبورن) يبعث الدكتورة إيرين ميرز (كيت وينسلت)
إلى مينابوليس للتحقيق في ملابسات إصابة بيث والأسباب المؤدية إلى وفاتها، في نفس
الوقت التي تهرع ممثلة منظمة الصحة العالمية يونورا أورانتس (ماريون كوتيار) إلى
هونج كونج للغرض نفسه. بينما تعمل الطبيبة في المركز االامريكي للأمراض، آلي
ايكستل (جنيفر ايلي) على دراسة الفيروس
الجديد والتوصل إلى مصل مضاد، يبدا المدوّن آلان كرومويدي (جود لو) على الساحل
الغربي في سان فرانسيسكو، في جذب الانتباه والترويج لنظرية مؤامرة خاصة به عن
تعمّد المركز إخفاء العلاج الجديد عن المواطنين والذي سمّاه "فورسيثيا".
يتنامى الذعر والشك والبارانويا بسرعة كبيرة مع تقافز أعداد المصابين من مئات إلى
آلاف إلى ملايين، مع محاولات المسئولين لوقف المدّ القاتل في الوقت الذي يكافح فيه
المواطنون المرض والانهيار الاجتماعي.
يقدّم سودربيرج فيلماً مقبولاً استنادا على سيناريو جيد لسكوت بيرنز عن فيروس قاتل ينتشر في العالم كالحريق رغم
الجهود الكبيرة للحكومات والمؤسسات والأفراد. محاولا نقل الفزع والفوضى الناتجين عن
الكارثة على الصعيد الشخصي والمحلي والعالمي، واظهار التحركات ضد وقف الفيروس
كمعركة للبقاء الانساني تخرج أفضل وأسوأ ما في النفس البشرية، حيث الموت البشع
والسريع إمكانية مرجحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق